عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-21-2011, 09:36 PM
alfares alfares غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 36,032
إرسال رسالة عبر ICQ إلى alfares إرسال رسالة عبر MSN إلى alfares
افتراضي حوادث ابتلاع أبناء وبنات الوطن تتواصل!!




ألم وحزن عميق تمدَّدا في مساحة الوطن، وفي أرجاء جدة على وجه الخصوص، ولدى ذوي الضحايا والمصابات بشكل أكبر؛ من جراء اندلاع النيران في مجمع براعم الوطن للمدارس الأهلية، الذي نجم عنه وفاة معلمتَيْن وإصابة أكثر من أربعين طالبة ومعلمة، وهي كارثة إنسانية حقيقية، أن تتحول مشاعر النفوس الآمنة المطمئنة، المهيأة لتلقي الدروس، أو تلك التي تقدم الدروس، إلى مشاعر خوف وذعر وهلع، ويرى البعض منهن جثث المعلمات، وتتطاير الفتيات الصغيرات عبر النوافذ أو تتقافز وتتقاذف من الأدوار العلوية خوفاً وطلباً للنجاة من الحريق.
إنها مأساة مؤلمة، وكارثة موجعة، وابتلاء عظيم، وقضاء لا يستطيع أحد رده، ولن يشعر بألمه مثلما يشعر أهل وذوو الضحايا والمصابات. نسأل الله أن يصبرهم، ويثيبهم على ذلك، ويخفف المصاب عن أهل الفقيدتَيْن، ويخفف الألم، ويُعجّل بالشفاء لبقية المصابات، وأن يجيرنا في هذه المصيبة، ويحفظ فلذات أكبادنا إناثاً وذكوراً أينما كانوا؛ فهم رصيد الوطن وبراعمه النامية وأمله ومستقبله الواعد. {إنا لله وإنا إليه راجعون}و{لا حول ولا قوة إلا بالله}.
لقد وقع نبأ الكارثة مؤلماً لكل ذي قلب ينبض، وقاصماً كالصاعقة لكل ذي فوائد يعرف مدى ألم جرح الفَقْد والإصابات الخطيرة، وخصوصاً حينما تكون الضحايا والمصابات أجساداً بريئة طرية ندية، تحمل بين جنباتها كل الأمل والرجاء والأحلام، ولا تتوقع أن يداهمها الخوف والهلع على مقاعد الدراسة، ويخطف تلك الابتسامات البريئة، ويستبدل بها الخوف والرعب ورؤية الموت وتكشيرته المخيفة، وقد حدث ذلك حينما تحول الصرح التعليمي في ثوانٍ معدودة إلى جحيم لا يُطاق، ومحرقة لا ترحم الصغيرات، وهذا سبب القفز من الدور الثالث أو من النوافذ، ولا يهم الكسر أو الخدش؛ أهم شيء النجاة من النار والحريق الذي يلتهم الأخضر واليابس.
كم صرخات أطلقناها كلما هدمتنا الأيام بكارثة تروح ضحيتها كوكبة من فتيات الوطن اللاتي خرجن من بيوتهن طلبا للعلم؛ فهن في سبيل الله حتى يرجعن بإذنه، وكم صرخة تاهت في البيداء دون أن يسمعها أحد أو تبخرت في طبقات الجو العليا، تم إطلاقها حين وقوع مآسٍ تصيب أفئدتنا، وتقتل فلذات أكبادنا دون ذنب جنوه سوى إهمال جهة ما أو تقصيرها، ولا بد لكل سبب من متسبب، لكننا في كل مرة نندب الحظ ونلطم الخدود ونشق الجيوب، وننسى كل شيء بسرعة، ولكن يجب ألا ننسى أن ذاكرة التاريخ لا ترحم، وأن قلوب أهل الوجع لا تهدأ، وذاكرتهم لا تنسى مدى الحياة. قبل أشهر قليلة تناقلت وسائل الإعلام نبأ حادث بنات جدة بشارع التحلية، ذلك الحادث المروِّع الذي صار حديث المجالس والمواقع، وصار مصدر ألم ووجع وإدماء للقلوب. وفي مطلع الأسبوع فُجعنا جميعاً بكارثة "براعم الوطن"، وبعدها بيوم واحد، وكأنه في التوقيت ذاته، كان القدر على موعد مع طالبات جامعة حائل، اللاتي توفين في حادث سير نتج منه وفاة 12 طالبة وسائقي السيارتَيْن المتصادمتَيْن، وهما سعوديان، أحدهما عشريني، والثاني ثلاثيني، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وأي كارثة أشد ألماً من هذه أن تموت 12 طالبة وهن في طريقهن للجامعة بسبب حادث سير؟! وقد يكون أهلهن في غاية الاطمئنان عليهن باعتبارهن إما في الجامعة أو في طريقهن إليها، لكن أرواحهن ذهبت إلى بارئها في ذلك الصباح الباكر بعد أن لوَّنت أجسادهن البريئة الطريق بلون الدم، وصبغته بلون الألم والوجع والحزن العميق.
لماذا كلما واجهتنا كارثة لا نتعظ بالبحث عن الأسباب، والبحث عمن يقف وراءها، ولا نكترث حتى تأتينا طامة أخرى؟ وهل الكوارث التي تحدث، وخصوصاً في المدارس، وكل وجه الخصوص المدارس الأهلية، لها علاقة بالإهمال وعدم توافر وسائل السلامة، أو عدم تفعيلها أو عدم تدريب المعلمات والطالبات على استخدام وسائل السلامة؟ هل تحرينا الأسباب والدوافع؟ ولماذا تتكرر الأحداث وتتشابه؟ وبالنسبة لحوادث الطرق هل بسبب عيب في الطرق أم وجود عوامل تسببت فيها جهات أخرى؟ لماذا لا نقيد تلك الأسباب ونزيلها، ونبحث عن المتسببين، سواء كان فساداً إدارياً أو غيره ونعاقب الجهة ونصلح الاعوجاج؛ حتى لا نفقد المزيد من أبناء وبنات الوطن، والمتسبب يهنأ بالعيش ويتلذذ بالحياة وأصحاب المصيبة يتجرعون الألم والوجع ويعانون الجراح التي لا تندمل؟.. لا بد – إذن - من البحث عن المسؤول عن كل حادث زُهقت بسببه أرواح بريئة، وفقد الأهل والوطن أبناء من جرائه؛ لأن أي مقتول وراءه قاتلٌ وأي حادث هناك مسؤول عنه.
وإذا رجعنا إلى ذاكرة الوطن وذاكرة الجراح لوجدنا في منطقة مكة المكرمة وحدها وقوع 23 حادث حريق في مبانٍ تعليمية منذ عام 1418 حتى آخر حادث، الذي وقع في مجمع براعم الوطن "روضة ـ تمهيدي ـ ابتدائي ـ متوسط"، وأوردت الأنباء أن مخارج الطوارئ في المدرسة المنكوبة لم تُستخدم بالكامل، وهذا يُظهر عيب غياب التدريب وتطبيق الحوادث الفرضية والإخلاء الفرضي، كما أن المدرسة وُصفت بأنها ضيقة، وبها 900 طالبة تحوَّلت إلى جحيم لدى اندلاع الحريق بالقبو، وعمَّ الهلع البراعم البريئة، وكانت مخارج الطوارئ معطَّلة، وتحولت قضبان الحديد إلى فخاخ للموت أو الاحتراق الجزئي أو القفز إلى المجهول؛ ما نتج عنه كسور وجروح وإصابات متنوعة، وكلها مؤلمة ومخيفة، وقد يكون بعضها خطيراً.
الحزن وحده لا يكفي، والضجيج الإعلامي لا يجدي، وطي صفحات الألم بعد هدوء العاصفة وانتهاء مراسم العزاء والمواساة يمثل كارثة أخرى تُنبت كوارث مؤلمة لا محالة؛ فلا بد من وقفة جادة، وبحث دقيق ونزيه، ووضع الضمادة على الجرح، والنقاط على الحروف، وتوجيه الأسئلة الصعبة والملحَّة: لماذا يحدث هذا ويتكرر؟ ومن المسؤول عن ذلك؟ وماذا يُتَّخذ من إجراء صارم وحازم لعدم تكرار ما حدث؟ والله المستعان!!


إبراهيم ناصر المعطش
رئيس تحرير مجلة "نون"