تفيض منازلنا بالمواد السامة، بعضها ظاهر للعيان، وبعضها الآخر غير مرئي. ومن بين السلع المنزلية الشائعة الاستعمال- رغم احتوائها على مكونات كيميائية سامة- نذكر على سبيل المثال، المنتجات الخاصة بالتنظيف، منظفات الغسيل، مبيدات الحشرات، معطرات الجو، محارم التنشيف، مواد التجميل وغير ذلك الكثير. وفي الحقيقة أية سلعة تحوي مواد كيميائية تفوح منها رائحة اصطناعية فهي تحوي، على الأرجح، مواد سامة، وإن بنسب متفاوتة بين سلعة وأخرى. وبالطبع، كلما ازداد استعمال مثل هذه المواد في منازلنا، كلما انخفضت أكثر جودة الهواء الداخلي الذي نستنشقه.
ربما سيصاب بعض المستهلكين بالدهشة الصادمة، حينما يعرفون بأن جميع المعطرات والدهانات والمنظفات وورق التجفيف والشموع المعطرة التي تحوي روائح غير طبيعية، تعد ضارة جدا لأجسامنا؛ علما أن أدلة علمية كثيرة تؤكد سميتها الممرضة. الأرقام الخاصة بهذا الشأن مرعبة: الصناعات الأميركية وحدها تصنع السلع المنزلية التي نستعملها يوميا في منازلنا من نحو 80 ألف مركب كيميائي صناعي. والأخطر من ذلك، أن أقل من 1% من هذه المركبات تم فحص تأثيراتها المباشرة على صحة الإنسان.
ولسوء الحظ، يفترض بأهالي الأطفال أن يكونوا خبراء أو علماء في البيوكيمياء وعلم السموم كي يكتشفوا ما هي المنتجات الآمنة لأبنائهم. هشاشة وضعف تنظيم استخدام وتسويق المواد الكيميائية في الأسواق، بطاقات البيان وقوائم المكونات المربكة والمضللة على أغلفة السلع، وما يعرف بـ "الغسيل الأخضر" المستشري من حولنا- كل ذلك يجعل عملا بسيطا وروتينيا، كعملية تسوق الأسرة، يبدو كأنه سير في حقل ألغام. فالخطأ ليس خيارا عندما يتعلق الأمر بصحة أطفالنا المعرضة للخطر.
ومن المعروف أن الأطفال هم الأكثر حساسية للكيماويات السامة، لأن أنظمة المناعة والأعصاب والغدد الصماء ومجمل أعضاء الجسم لا تزال في طور النمو. الدراسات بينت بأنه حتى التعرض البسيط للمواد الكيميائية السامة أثناء الطفولة، قد يتسبب في مراحل عمرية لاحقة بسرطان الثدي، العقم، صعوبات التعلم ومشاكل صحية أخرى.
بصرف النظر عن إجراءات الحذر التي قد نتخذها، فإن خطورة المشكلة أكبر مما نتصور. ونظرا لنهر السموم الذي نسبح فيه جميعنا، أجرت مجلة آفاق البيئة والتنمية مؤخرا مسحا لبعض السلع الكيميائية المنزلية السامة التي يسهل تجنبها، وبالتالي يسهل تقليص تعرضنا وتعرض أطفالنا لها. التقرير التالي يقدم ملخصا لأهم ما توصلت إليه عملية المسح.

المواد الكيميائية المستخدمة في الحدائق المنزلية

مبيدات الأعشاب لا يستخدمها المزارعون الكيميائيون فقط، بل إن العديد من الناس يرش تلك المبيدات في حدائق منازلهم لمكافحة الأعشاب. مبيد الأعشاب D-2,4 الذي يسمى تجاريا "بر سوبر" يعد من أكثر المبيدات شيوعا.
الأبحاث بينت أن آثار هذا المبيد الخطر المستعمل في الحديقة المنزلية، تصل إلى داخل أجواء البيت، حتى بعد مضي بضعة أيام على الرش الخارجي. وصول المبيد إلى داخل المنزل يكون عبر الهواء، أو من خلال أحذيتنا لدى حركتنا من الحديقة إلى داخل المنزل؛ وينسحب الأمر أيضا على انتقال المبيد من خلال حركة الحيوانات البيتية، كالكلاب والقطط.
بحسب الوكالة الدولية لأبحاث السرطان(IARC)  التابعة لمنظمة الصحة العالمية، فإن مبيد "بر سوبر" قد يتسبب بأمراض سرطانية، وتحديدا سرطان الغدة الدرقية. وقد يتسبب أيضا في أورام خبيثة بالدماغ، وتشوهات خلقية ووراثية وأمراض تناسلية وخلخلة التوازن الهورموني في الجسم وتلف الكبد، إضافة إلى تسببه في تلوث المياه الجوفية.
ورغم حظر استعماله في العديد من دول العالم، إلا أن العديد من المزارعين الفلسطينيين لا زالوا يستعملونه حتى اليوم. والمثير أن الاستعمار البريطاني استخدم هذا المبيد في الخمسينيات، كمكون أساسي في السلاح الكيماوي المعروف بـ(ـِAgent Orange / العنصر البرتقالي) ضد الثوار في ماليزيا؛ ومن ثم استخدمه الاستعمار الأميركي بكثافة ضد الثورة الفيتنامية؛ فدمر وأباد أدغالا وغابات وقرى ومزارع بكاملها أثناء ملاحقته للثوار الذين كانوا يختفون بها.

محارم التنشيف المعطرة

تحوي مثل هذه المحارم على مواد سامة للأعصاب مثل: "ألفا-تِربينول" وكحول "البنزيل"، والكلوروفورم المسرطن، ومواد كيميائية أخرى تعتبرها وكالة حماية البيئة الأميركية نفايات خطرة؛ مثل إيثيل الأسيتات. ليس فقط أن استنشاق مثل هذه الكيماويات بشكل تراكمي قد يتسبب بأمراض خطرة، بل إنها تتراكم في غبار المنزل.

معطرات الهواء وعبوات الغذاء البلاستيكية

معطرات الهواء عبارة عن منتجات كيميائية لا "تنعش" أو تنقي الهواء، بل إنها تستبدل رائحة كريهة برائحة اصطناعية أكثر خطورة. مشكلة هذه المنتجات أنها غالبا تطلق إلى الهواء مركبات الفثالات( Phthalates) التي تتسبب في اضطرابات هورمونية؛ وقد تتسبب أيضا في سرطان الثدي، تشوهات خلقية، ضعف الخصوبة، الربو، وتلف عمل الدماغ.
بالإضافة لمعطرات الهواء، توجد هذه المركبات أيضا في عبوات الغذاء والسلع البلاستيكية بشكل عام، منتجات العناية الشخصية، طلاء الأظافر، بخاخات الشعر، الشامبو ومزيلات رائحة العرق. وتضاف أيضا لمعطرات الجسم كي تلتصق بالجلد لفترة أطول.
العديد من المراجع العلمية-المهنية المعروفة عالميا والمتخصصة في مجال المواد الكيميائية وآثارها السمية والمرضية، وبخاصة مؤسسة Natural Resources Defence Council-NRDC، كشفت مؤخرا وجود "الفثالات" في 12 معطرا مختلفا من بين 14 نوعا من المعطرات التي فحصتها بشكل عشوائي في الأسواق، بما في ذلك المعطرات التي يروج لها باعتبارها "طبيعية 100%" أو "خالية من العطر الاصطناعي". غش المستهلك يبرز بشكل صارخ في أن جميع هذه السلع الكيميائية لم تذكر إطلاقا اسم مركب "الفثالات" في قائمة المحتويات.
وإجمالا، يجب تجنب المنتجات التي كتب في لائحة محتوياتها "عطر"؛ لأن هذا يعني احتوائها على "الفثالات" التي يراد التستر على اسمها الصريح والمباشر. إذن، لا بد من استعمال منظفات ومنتجات العناية الشخصية خالية من "العطور".
التخلص من الروائح الكريهة واستنشاق الروائح النقية في منازلنا يكون عبر التخلص من سببها، وفي الحفاظ باستمرار على التهوية الطبيعية، وأيضا باستخدام روائح طبيعية لحلوى بلدية بيتية أو لفاكهة حقيقية مثلا.
وبخصوص قناني الأطفال، يفضل استخدام تلك المكونة من حلمات مصنوعة من السيليكون الطبي؛ والتخلص، ما أمكن، من عبوات الغذاء البلاستيكية.

مقالي وطناجر التفلون

التفلون عبارة عن طلاء كيميائي غير لاصق في المقالي والطناجر والغلايات وغيرها من الأدوات التي اعتاد الكثير جدا من الناس استخدامها في منازلهم منذ سنوات طويلة. ويحتوي التفلون على مركبات "بِر فلورينيتيد كيميكَلس" (Perfluorinated Chemicals / PFCs)، علما أن رموز هذه المركبات الكيميائية تبدأ بحرفيPF، مثل PFBS،PFOA ،... PFOS إلخ. وهي تستعمل لمنع التصاق الطعام في أواني الطبخ (التفلون). كما يستخدم التفلون في سلع استهلاكية أخرى، مثل منتجات العناية الشخصية، وأيضا كبطانة لأكياس البوشار المستعملة في الميكروويف. مثل هذه المركبات التي قد تتسبب بأمراض سرطانية وبخاصة سرطانات الكبد والبنكرياس والغدة الدرقية، إضافة إلى اضطرابات في الجهاز التناسلي وتشوهات خلقية.

قناني المياه البلاستيكية

يعد شرب المياه من القناني البلاستيكية عملية إسراف وتبذير لا لزوم لها. ما نريده من القناني هو المياه وليس البلاستيك؛ لكن، عندما نشرب من تلك القناني فإننا، عمليا، ندخل إلى أجسامنا كليهما، أي المياه والمواد الكيميائية السامة المكونة للقناني. الرقابة على مياه القناني البلاستيكية أقل بكثير من الرقابة على المياه المتدفقة من صنابير المياه.
المكون الكيميائي الأخطر في قناني المياه البلاستيكية هو مركبات "الفثالات" التي، كما ذكرنا سابقا، تتسبب في اضطرابات هورمونية؛ ويمكن أن تحوي تركيبة القناني مركبات كيميائية مثل هرمون الأستروجين الاصطناعي )bisphenol A(، أو نظيره )bisphenol S( ، ويتسبب كلاهما باختلالات هورمونية.
الإشكالية القانونية أن الأنظمة والقوانين المعمول بها لا تفرض على مصنعي المواد البلاستيكية المستخدمة في تعبئة المياه وتغليف الأغذية، بأن يذكروا المواد الكيميائية الموجودة في عبواتهم أو أغلفة منتجاتهم. وفي المحصلة، يخفي المنتجون عن المستهلكين المواد الكيميائية التي يمكن أن تتسرب إلى المياه التي يشربونها من العبوات البلاستيكية؛ مثل"الفورمَلْدِهيد" )formaldehyde( الذي يعتبر مركبا مسرطنا معروفا منذ زمن طويل، وكذلك مركب "أَسِيتأَلْدهيد" ) acetaldehyde( الذي قد يتسبب بالسرطان أيضا.
يضاف إلى ذلك، أن عبوات المياه تولد تلوثا بلاستيكيا كبيرا؛ إذ أن ملايين أطنان النفايات البلاستيكية التي مصدرها مخلفات عبوات المياه وتغليف الأغذية وسلع استهلاكية أخرى، تصل سنويا إلى البحار والمحيطات. كما أن إنتاج
قناني المياه البلاستيكية التي يتم شراؤها سنويا في مختلف أنحاء العالم يستهلك كميات ضخمة من النفط، تقدر بما لا يقل عن مائة مليون برميل نفط.

الفورمالدهيد

من بين سلع أخرى، قد يتواجد هذا المركب في منتجات العناية بالأطفال مثل الشامبو والصابون السائل. الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) أكدت بشكل قاطع أن الفورمالديهايد مادة مسرطنة. وجود هذه المادة قد يكون مباشرة في منتجات العناية الشخصية، أو قد تنبعث بكميات قليلة، خلال فترة زمنية معينة، من بعض المواد الحافظة في المنتجات.
يجب قراءة قائمة المحتويات جيدا، وتجنب مركبات الفومالدهيد.

مثبطات اللهب

هذه المثبطات موجودة في الفراش، مقاعد السيارات، منتجات الأطفال الرغوية، وغيرها. الدراسات بينت أن مثبطات اللهب تظهر فورا في الدورة الدموية والبول، وقد تتسبب في آثار طويلة الأمد، مثل اضطراب الغدد الصماء، انخفاض معدل الذكاء، ضعف الخصوبة والسرطان. والأهم من ذلك، أن الدراسات تؤكد بأن هذه المواد الكيميائية ليست ضرورية لأنها لا تستطيع منع الحرائق.
يمكننا تجنب هذه المواد الممرضة من خلال التحول كليا لاستعمال فراش الصوف أو القطن النقي، أو من خلال وضع القطن العضوي أو الصوف الممتاز على رأس الفراش العادي، لتقليل التعرض للمواد الممرضة. كما لا بد من تجنب منتجات الأطفال الرغوية كلما أمكن.


اقرأ أيضًا :

   -  المواد الكيميائية التي نستخدمها باستمرار وتشكل خطرًا على الصحة العامة.
   -  بحث شامل عن مخاطر المواد الكيميائية السامة.