المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "طلعات البر".. "كشته" ونزهة وتقليد يتجدّد كل جيل


eshrag
02-10-2014, 08:12 AM
http://cdn.sabq.org/files/news-thumb-image/255070.jpg?472182 (http://sabq.org/IPQfde) إفي- الرياض: منذ أن يبدأ الشتاء في غزو العاصمة السعودية، ومع أولى بشائر المطر الذي يبلل الأرض، يستعد مساعد الشمري (29 عاماً) ورفاقه لقضاء نهايات الأسبوع في ربوع الصحراء المحيطة بالرياض، بعد أن يحزموا أمتعتهم الضخمة في شاحنة كبيرة تبدو كأنها تقل أثاث منزل كامل.

ويسمي السعوديون هذه الرحلات باسم "طلعات البر"، ويقصد بالبر: الأرض الصحراوية البعيدة عن العمران.

وينطلق مساعد ورفاقه بعد عصر كل خميس، ويعودون مساء السبت، وفي فترة الإجازات يبقون أياماً أخرى: "ونمضي في قافلة مكوّنة من أربع سيارات على الأقل، تحسباً للأعطال ولغرق السيارة في الرمال".

وفي حديثه لـ "إفي"، يبرّر "مساعد" الكمية الهائلة من الأمتعة بقوله: "في البر، نحتاج إلى كل شيء، فنأخذ معنا كميات كبيرة من الماء والغذاء، وهذا يعتمد على عدد الأيام التي قررنا قضاءها هناك، كما نأخذ الخيام وأعمدتها لننصبها في الأرض المناسبة، ونصطحب كذلك حماماً متنقلاً لقضاء الحاجة، وفرشاً ومخدات، وتلفزيوناً وجهازاً لاقطاً كي لا تفوتنا المباريات الكروية المهمة، ومولد طاقة كهربائية".

ويبقى هاجس الضياع أكثر ما يقلق هؤلاء الرحالة "ولهذا يعد جهاز تحديد المواقع (جي بي إس) أهم مقتنياتنا، وكذلك جهاز الاتصال الخليوي بالأقمار الصناعية".

وشهدت الصحارى السعودية حالات ضياع أليمة، انتهى بعضها بالموت، وأشرف بعضهم على الهلاك بسبب الجوع والعطش وانقطاع الأثر، وكان آخرها شاب إمارتي توغل أكثر من 200 كم في عمق صحراء الربع الخالي وبقي يومين تائهاً إلى أن أنقذته السلطات السعودية في نوفمبر الماضي، وأفصح أنه اضطر لشرب مياه مساحات الزجاج في سيارته.

ولم يحدث أن تاه "مساعد" ورفاقه من قبل: "لأني أحتاط جيداً، ولا أغامر في التوغل عميقاً داخل الصحراء، لكن يحدث أحياناً أن نضيع لساعة أو ساعتين لكن وجود جهاز تحديد المواقع ينقذنا سريعاً".

ويقارن "مساعد" بين الحاضر والماضي: "كان أجدادنا ماهرين في تحديد المواقع وتتبع الأثر عبر النجوم والعلامات الأرضية وتقفّي أثر الجمال والأحصنة، لكننا لسنا بمهاراتهم، لهذا نعتمد على التقنية الحديثة".

وفي حديثه لـ "إفي"، يعبر أحمد الخالدي، رفيق مساعد وصديقه المقرب، عن ولعه بالصحراء "هي أرض أجدادنا التي هجرناها مضطرين لنسكن في المدن الصاخبة، ولهذا نشتاق إليها ونزورها كلما سنحت لنا الفرصة، وهناك ننعم بالصفاء والهدوء ونشعر برحمة الطبيعة وجمالها حين نفترش الرمال وننظر إلى السماء".
ويفضل هؤلاء الرفاق فصلَيْ الخريف والشتاء، كما يشرح "أحمد": "فالمطر يجعل الأرض ندية ورطبة، ويبعث منها رائحة ذكية، ويحيل الصحراء إلى دوحة خضراء، والبرد يجعل الجلوس حول النار أمراً حميمياً ورائعاً".

كما أن ثمرة الفقع تنبت في الشتاء "وهي ثمرة برية لذيذة الطعم، وتحظى بشعبية واسعة في مشرق العالم العربي، ويتطلب العثور عليها مهارة خاصة".

وكان الدفاع المدني قد أصدر الأسبوع الماضي تحذيراً من تجاوز الحدود مع الدول المجاورة خلال البحث عن الفقع، بعد حصول حالات عدة شبيهة.

وتعد بعض الروضات المحيطة بالعاصمة قبلة لهؤلاء الرحالة، فهي تصبح حديقة جميلة في مثل هذا الوقت من العام، ويفضل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز روضة "خريم"، ويقضي فيها أياماً أو أسابيع سنوياً، وأحياناً يستقبل فيها زعماء ومسؤولين عرباً وغربيين، وكان آخرهم وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، الذي التقاه الملك في "خريم" أوائل يناير الماضي، وكذلك الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند خلال زيارته إلى السعودية أواخر ديسمبر الماضي.

ويضيف "أحمد" أن اسم العاصمة السعودية "الرياض" هو جمع "روضة"، وسُميت كذلك بسبب كثرة الروضات المحيطة بها.

وتستقطب هذه الرحلات الكثير من الأجانب، كما يقول عبد الله البرقان، الذي يعمل في شركة متخصّصة في بيع لوازم الرحلات وتنظيمها: "يقبل علينا الغربيون من بلدان مختلفة، أبرزها جنوب إفريقيا وأمريكا والتشيك وإسبانيا والسويد ورومانيا، فهؤلاء يحبون أن يجربوا طقوس طلعات البر التي تعد جديدة عليهم".

ويوضح "البرقان" أن أكثر ما يستهوي الغربيين هو ممارسة التزلج على الرمال "ويتجهون إلى مناطق معينة صالحة لهذه الرياضة، ويشترون ألواح تزلج، ويستأجرون مدرباً ماهراً ليعلمهم ممارستها بأمان".

ويذكر البرقان أن سعر الخيمة الواحدة يراوح بين ألف و1500 ريال سعودي (266 و400 دولار)، وهي خيمة صغيرة تتسع لخمسة أشخاص، بينما سعر فراش النوم الخاص بالصحراء يبلغ نحو 150 دولاراً.

ويبلغ حجم تجارة لوازم الرحلات نحو ملياري ريال (533 مليون دولار) سنوياً، وبنسبة نمو عالية جدا تبلغ نحو 20 %، وفق تقرير نشرته صحيفة "الاقتصادية" الشهر الماضي.

وتجاوز عدد الشركات والمؤسسات العاملة في القطاع أكثر من 400 شركة.. ويضيف "البرقان" أن هناك مخيمات جاهزة في عمق الصحراء تتوافر فيها جميع مستلزمات الرحلة، لكن تكلفة استئجارها يتجاوز 800 دولار لليلة الواحدة، وهو سعر عال مقارنة بفنادق النجوم الخمسة، وهو ما يفسره البرقان: "لأنها توفر كل شيء، من الخيام إلى الطعام والماء، وأنشطة ترفيهية مثل تأجير دراجات نارية وأحصنة وجمال وغير ذلك، وهي بمنزلة منتجع في الصحراء".


أكثر... (http://sabq.org/IPQfde)