عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 01-05-2007, 02:46 AM
قمرهم كلهم قمرهم كلهم غير متواجد حالياً
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Dec 2006
المشاركات: 5,936
افتراضي

كذلك المعتدة لا يحل لها أن تتزوج، وهي في عدتها، حتى يبلغ الكتاب أجله، المعتدة إما أن تكون معتدة بطلاق كالتي طلقها طلقة واحدة، أو ثنتين، أو ثلاث فعدتها مثلا ثلاثة قروء، أو ثلاثة أشهر إن كانت لا تحيض، أو وضع الحمل إن كانت حاملا، أو أربعة أشهر وعشرة أيام، إن كانت متوفى عنها، فهذه ما دامت في عدتها، فإنها لا تتـزوج، فقد تقدم أنه يجوز التعريض بخطبة المعتدة، تقدم أنه يجوز، إني فيك لراغب، أو إني أريد امرأة، أو إني أرغب الزواج، أما تصريحه بخطبتها فلا يجوز، وكذلك بطريق الأولى العقد عليها، وهي في العدة، فإذا عقد عليها، وهي في العدة، فإن العقد باطل.

والزانية على الزاني وغيره حتى تتوب، اختلف في قوله تعالى: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ قالوا: كيف جعل المشرك ينكحها، وجعل المشركة ينكحها المسلم، وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ كيف هي مسلمة ينكحها مشرك؟ كيف الزاني ينكح المشركة؟

المفسرون قالوا: لأن الأقرب أنه ما دام مُصِرًّا على الشرك، ما دام مُصِرًّا على الزنا، أو مصرة على الزنا، فإن المسلم يتعفف عنها؛ لئلا تدخل عليه أولادا من غيره؛ وكذلك المرأة إذا عرفت أن هذا الزوج زان متظاهر بالزنا؛ فإنها تتعفف عنه حتى لا يكون له أولاد يعيشون من صلبه، أو أولاد ليسوا أولاد رشد فتتعفف عنه، ولا تتزوجه فلا يقبله إلا زانية مثله، أو لا يقبله إلا مشركة ؛ لأن المشركة لا تفرق بين الحلال والحرام.

هذا هو المعنى الأقرب أن الزاني لا يقبله إلا امرأة مثله زانية، أو لا يقبله إلا امرأة مشركة ؛ لأنها لا تفرق بين الزنا والنكاح، كذلك الزانية لا يقبلها إلا من هو زان مستمر على الزنا، أو يقبلها مشرك ؛ لأنه لا يبالي إن زنت وأدخلت عليه أولادا.

والحاصل أنها ما دامت زانية مجاهرة بالزنا حرام على المسلم أن يتزوجها ؛ لأنها قد تدخل عليه أولادا من غيره، فإذا تابت وصلحت توبتها، فإنها تحل للمسلم للعفيف، واختلف كيف تعرف توبتها؟ فقال بعضهم: توبتها أن تُرَاوَدَ فتمتنع، أن يأتيها واحد من أهل العفاف في خلوتها ويراودها، فإذا امتنعت علم بذلك توبتها.

ولكن الصحيح أن هذا لا يجوز، لا يجوز أن يخلوا بها حتى ولو كان عفيفا ؛ فلأن الشيطان قد يقرب بينهما حتى ولو كان عفيفا، فلا يجوز أن يراودها أحد، ولكن إذا عرفت توبتها وعرف صلاحها وبُعْدُها عن الزنا، وبُعْدُها عن أماكن الزنا ورشدت وصلحت حالتها جاز للعفيف أن يتزوجها.

يقول: وتحرم المطلقات ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره وتنقضي عدتها؛ لقوله تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ ثم قال بعد ذلك: فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ يعني فإن طلقها بعد الطلقتين، فالطلاق مرتان يعني الطلاق الرجعي ؛ ولهذا قال بعده: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ يعني إذا طلق واحدة جاز له أن يراجعها في العدة، أو يتزوجها بعقد جديد بعد العدة، إذا طلق الثانية جاز له أن يراجعها في العدة، أو يتزوجها بعقد جديد بعد انتهاء العدة، إذا طلقها الثالثة حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره.

وهذا لأجل البعد عن الإضرار، كانوا في الجاهلية لا يبالي أحدهم أن يضار امرأته فيطلقها، فإذا قربت أن تنتهي العدة راجعها ثم أمسكها يوما، أو يومين، أو أياما ثم طلقها، فإذا مكثت ثلاث حيض، أو نحوها قاربت أنت تنتهي عدتها راجعها، ولو عشر طلقات، ولو عشرين طلقة، فكان ذلك ضررا على المرأة، فجعل الله له ثلاث طلقات بعد الثلاث ليس له رجعة تحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره؛ لأنه إذا عرف أن الثالثة تُحَرِّمها عليه أمسك نفسه، أمسك لسانه وتَثَبَّتَ، وخاف أنها إذا طلقت وتزوجت غيره أنها لا ترجع إليه، وأن الزوج الذي يتزوجها تعجبه ويمسكها، وتبقى زوجة له، ويحرم زوجها الأول، ويضيع منه أولاده منها ؛ فلأجل ذلك حدد له ثلاث طلقات، فإذا طلقها الثالثة، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، ثم يفارقها الزوج الثاني، أو يموت عنها وتنقضي عدتها، وسيأتينا لهذا تكميل.

يقول: ويجوز الجمع بين الأختين بالملك يعني بملك اليمين، يجوز أن تشتري أمتين أختين تستخدمهما، ولكن لا تطأهما معا، إذا أردت الوطء فاختر واحدة للاستمتاع، وتَجَنَّب الأخرى لدخولهما في قوله: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأَُخْتَيْنِ إذا وطئ إحداهما لم تحل له الأخرى حتى يحرم الموطوءة، أو إخراج من ملكه، أو تزوج لها بعد الاستبراء فإذا وطئ الكبيرة تجنب الصغيرة.

متى تحل له الصغيرة إذا باع أختها، أو زوجها، زوجها لأنسان حر، أو عبد، فإنها حينئذ تحرم عليه الكبيرة التي قد وطئها حرمت عليه حين صارت زوجة لغيره، أو حين صارت عتيقة، أو حين صارت مملوكة لغيره حتى يحرم الموت، أو بإخراج عن ملكه يبيعها يعتقها، أو تزويجا لها. ولا يزوجها حتى يستبرئها كما يأتينا في العدد استبرائها بحيضة حتى يتحقق أنها ما حملت منه فإذا استبرأها وتحقق براءة رحمها زوجها.

يقول: الرضاع الذي يحرم ما كان قبل الفطام، ثبت أنه-صلى الله عليه وسلم- قال: إنما الرضاعة من المجاعة وقال: لا يُحَرِّم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم أنبت اللحم يعني نبت عليه لحم الطفل، وأنشز العظم يعني كبر، نشذ يعني كبر العظم، يخرج رضاع الكبير فإنه لا يحرم وذلك؛ لأن الله -تعالى- حدد الرضاع في الحولين: وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ فبعد الحولين لا يكون هناك رضاع ؛ لأن الطفل يتغذى بالأكل غالبا أنه لا يستفيد من الرضاع لقلته فيتغذى بالأكل، فعلى هذا الأصل أنه لا يحرم إلا إذا كان صغيرا هذا هو قول الجمهور.

قد روي عن عائشة أنها تُجَوِّز إرضاع الكبير فكانت إذا أرادت أن يدخل عليها بعض التلاميذ أمرت أختها، أو بنت أختها أن ترضعه حتى تكون خالة له، وأنكر ذلك عليها بقية أمهات المؤمنين، ودليلها قصة سالم مولى أبي حذيفة، وذلك ؛ لأن سالما لما كبر عند أبي حذيفة مولاه قالت امرأته: إن سالما لا نعده إلا ابنا، وإنه قد بلغ مبلغ الرجال، وإني أرى أن أبا حذيفة يكره دخوله، فقال -صلى الله عليه وسلم-: أرضعيه خمس رضعات تحرمين عليه مع أنه كبير رجل، وأمهات المؤمنين يقلن: إن هذا خاص بسهلة امرأة أبي حذيفة أن هذا خاص.

وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنه إذا وجد امرأة مضطرة إلى دخول رجل عليها ضرورة شديدة لا تجد رخصة ولا تجد بُدًّا من ذلك، فإن لها أن ترضعه، أو تأمر أختها بإرضاعه حتى تكون محرما له، فيرى أن هذا للضرورة الضرورة التي كضرورة سهلة امرأة أبي حذيفة.

فأما الجمهور فيقولون: إنه لا يحرم رضاع الكبير ويستدلون بقوله: لا يحرم إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم وإنما الرضاعة من المجاعة أو لا يحرم من الرضاعة إلا ما أنبت اللحم، وكان قبل الفطام هذا هو الصحيح، فيكون قصة سهلة من خصائصها.

وهو خمس رضعات فأكثر، قد اختُلِفَ أيضا في القَدْر الذي تحرم به المرأة فيكون ولدا لها، فعند الإمام أحمد خمس رضعات، وكذا عند الشافعي، أما عند أبي حنيفة فيقول: عشر رضعات، وروي أيضا عن أبي حنيفة قول آخر أنه يحرم رضعتان، وكذلك روي أيضا عن الشافعي أنها تحرم رضعتان، أما عند الإمام مالك فإنه يحرم أقل ما يسمى رضاعا ولو نصف مصة، ويقول: إن الله أطلق الرضاع في قوله: اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ فإذا أرضعته ولو مص مصة، أو نصف مصة، وتحقق أن فيها لبنا دخل في حلقه فإنها تصير أمه، هكذا ذهب مالك ولعلها لم تبلغه الأحاديث.

في حديث سهلة أنه أمرها أن ترضعه خمسا وفي حديث عائشة قالت: كان فيما أنزل من القرآن "عشر رضعات معلومات يحرمن" فنسخن ونزل "خمس رضعات معلومات يحرمن" فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مما يقرأ نقول: هذا لا يوجد في كتاب الله في القرآن، ولكن على الأقل إنه حديث، فإذا كان حديثا فإنه يعمل به، فيقال: خمس رضعات الطفل إذا رضع خمس رضعات؛ وذلك لأن الخمس رضعات يمكن أن ينبت بها لحمه وينشز بها عظمه وتشبعه من الجوع إنما الرضاعة من المجاعة .

واختلفوا في الرضعة فمنهم من يقول: إنها المصة، ويستدلون بقوله-صلى الله عليه وسلم- لا تحرم المصة والمصتان ولا الإملاجة والإملاجتان الإملاجة يعني: الإدخال إدخال الثدي في فمه لا تحرم أخذوا من قوله: الرضعة والرضعتان أن الثلاث تحرم، وأخذوا من قوله: "مصة" يكون أن يمص الثدي، ثم يبتلع، فإذا مص وابتلع ثم مص وابتلع ثم مص وابتلع خمس مصات فإنه يكون ابنا لها.

وأكثرهم على أن الرضعة هي إمساك الثدي ثم امتصاصه إلى أن يتركه سواء تركه من نفسه، أو اجتذبته من فمه، فتعد هذه رضعة، فقد تكون الرضعة مثلا في لحظة، وقد تكون الرضعة في ساعة، يمسك ثديها ويمصه ولا يتركه مدة ساعة، أو نصف ساعة، ونسميها رضعة واحدة، ولو امتص فيها مائة مصة، أو مئات، ومنهم من يقول: الرضعة هي الشبع كونه مثلا يرضع حتى يشبع ويكون كغذاء الكبير كما يقال مثلا: الوجبة التي هي طعام الشبل الكبير حتى يشبع.

ولكن الجمهور على أن الرضعة هي الإمساك ثم الإطلاق، فيصير به الطفل وأولاده أولادا للمرضعة ولصاحب اللبن، أولادا للمرضعة تقول: هذا ولدي من الرضاع، هذا ولد ولدي من الرضاع، هذا ابن بنتي من الرضاع، هذه بنت بنتي من الرضاع، كذلك صاحب اللبن زوجها، زوج المرضعة هو صاحب اللبن فإذن يقول: هذا ابني من الرضاع وبنتي من الرضاع وبنت ابني من الرضاع.

ينتشر التحريم من جهة المرضعة وصاحب اللبن كانتشار النسب، قد تقدم أنه ينتشر، فمثلا أخت الزوج، صاحب اللبن الذي رضعتَ منها تصير عمتك وبنته من غير هذه المرضعة تصير أختك من الأب، أمه تصير جدتك، وأم أمه ونحو ذلك، وكذلك بالنسبة إلى المرضعة.

باب الشروط في النكاح
بعده باب الشروط في النكاح يقول: هو ما يشترطه أحد الزوجين على الآخر الشروط معناه أن يشترط أحد الزوجين على الآخر شرطا له فيه مصلحة ؛ وذلك لأنه قد يرى أنه مضطر إلى هذا الشرط، أو ترى أنها مضطرة إلى هذا الشرط فيشترطان شروطا لهما فيه مصلحة قد تكثر الشروط وقد تقل.

ذكر أنها قسمان: شروط صحيحة، وشروط فاسدة، فإذا اشترطت ألا يتزوج عليها فهل هذا شرط صحيح ؟ نعم، وفي ذلك خلاف بعض العلماء يقول ليس بصحيح ؛ لأنه يحرم الحلال، الرسول يقول: المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما، أو حرم حلالا ولكن هذا لا يحرم حلالا، إنما يحرم إضرارها كأنها تقول: إن كنت تريدني زوجة فلا تتزوج أحدا يضارني، فإني أتضرر بالزوجة، فمن مصلحتي أن أنفرد بك وألا يشاركني فيك غيري، وإذا تزوج عليها فإنها بالخيار تقول له: إما أن تطلقها وإما أن تطلقني فلقد شرطت عليك ألا تتزوج عليَّ، فكأنها أباحت له الخيار أباحت له أن يطلقها، أو يطلق زوجته الجديدة ألزمته.

كذلك إذا شرطت ألا يتسرى، لا يتسرى عليها يعني لا يطأ أمة ولا يطأ الإماء، الأمة التي يطأها تسمى سرية ؛ لأنه أراد أن يطأها سرا فتسمى سرية فإذا قالت: لا تتسرى عليَّ فإن لها ذلك هذا شرط أيضا من مصلحتها تريد أن تكون زوجته هي التي تعفه، إذا شرطت ألا يخرجها من دارها أن تسكن عند أهلها، أو تسكن في بيتها الذي ملكته، فإذا أخرجها فلها الخيار، كذلك إذا اشترطت ألا يخرجها من بلدها، وهذه الشروط يصح أن تشترطها هي، أو يشترطها أبوها أن لا يخرجها من بلدها ؛ لأن عليها ضررا في إخراجها.

كذلك إذا اشترطت زيادة مهر، أو نفقة اشترطت من المهر كذا وكذا فلها ذلك ؛ لأنه من مصلحتها، أو زيادة نفقة أن ينفق عليها نفقة أهل اليسار، ونحو ذلك فهذا كله داخل في الحديث: إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج يعني الشروط التي تستحل به هذه المرأة، ونكاحها أحق أن توفوا به.

أما الشروط الفاسدة فهي التي تبطل النكاح، أو تبطل الشروط على خلاف في بعضها فمنها نكاح المتعة الذي تفعله الرافضة، وصورته أن يتزوجها مدة شهر، أو مدة أسبوع، أو مدة يوم يقول: زوجني ابنتك مدة يوم بعشرة ريالات مثلا، أو مائة، أو مدة شهر، أو نحو ذلك إذا انتهت المدة، فإنها تنفسخ منه، ولا تكون زوجة هذا لا يسمى نكاحا ولا تسمى هذه زوجة، ولا تدخل في قوله تعالى: إلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ .

ولا ترثه ولا يرثها؛ فلأجل ذلك لا يسمى هذا نكاحا؛ بل الأولى أن يسمى سفاحا، الرافضة يستحلونه ويدعون أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أباحه وإن الذي حرَّمه هو عمر هكذا زعموا وكذبوا.

وبالتتبع لأدلة نكاح المتعة ما وجدنا أنه أحل إلا في غزوة الفتح، لما كان أهل الذين فتحوا مكة غالبا كانوا حديث عهدهم بالإسلام فخشي أن يقع منهم سفاح، فأباح لهم المتعة ثلاثة أيام، أو نحوها ثم بعد ذلك حرمها إلى يوم القيامة، أبيح في غزوة وحرم فيها، هذا هو الصحيح، وأما ما ذكر من تحريمه في خيبر فهو خطأ من الراوي لم يحرم في خيبر إنما الذي حرم في خيبر لحوم الحمر الأهلية وتفصيل ذلك واضح.

أما الرافضة فسمعوا أن عمر حرَّم المتعة يعني: متعة الحج يعني منع من متعة الحج فظنوا أنها متعة النكاح صحيح أن عمر -رضي الله عنه - كان ينهى عن المتعة يعني أن يتمتع الإنسان بالعمرة إلى الحج وذلك؛ لأنه خاف أنكم إذا اعتمرتم مع حجكم تعطل البيت، فلا يبقى فيه من يعمره فينهاهم ويأمرهم بأن يعتمروا في سفرة غير سفر الحج، هذا هو قصده.

فالمتعة التي نهى عنها هي عمرة الحج ليست متعة النكاح فأخطأوا الفهم وألصقوا به ما هو بريء منه، ويمكن أن يكون هناك بعض الأدلة التي فيها أن عمر نهى عن المتعة في مصنف عبد الرزاق ورواية في صحيح مسلم أنه نهى عن المتعة .

ولكن إذا قلنا: إنه نهى عن المتعة فإنه مؤكد للنهي النبوي أنه نهى عنها مؤكدا لنهي النبي-صلى الله عليه وسلم- وذلك لأن هناك رجلا استباحها فحملت منه تلك المرأة فلما ظهر حملها سئل من زوجها فقيل: إنه نكاح متعة فنهى عن ذلك وعاقبه، والكلام فيها طويل وقد أطالوا في كتبهم الأدلة التي زعموا أنها تبيح نكاح المتعة، وكلها خرافات.

الثاني نكاح التحليل: لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- المحلل والمحلل له وقد مر بنا قريبا أنها تحرم مطلقته ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره، هذا الزوج الذي هو غيره لا بد أن يكون راغبا في نكاحها يريدها زوجة له، لا يريد تحليلها لزوجها الأول إنما قصده أن يرغب في أنها امرأة له، أما إذا كان متفقا معها على أن ينكحها ليلة ثم يطلقها، أو متفقا مع زوجها المطلق يقول له: أنكحها يا فلان ثم طلقها بعد ليلة حتى تباح لي فهذا هو التحليل الذي لعن النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- أصحابَه لعن المحلل والمحلل له .

وكذلك أيضا سماه التيس المستعار تشبيها له بالتيس الذي هو ذكر المعز الذي يستعيرونه لإضراب المعز، فهذا تبشيع له فهو من الأنكحة المحرمة، إذا شرط عليه أنك بعد يوم، أو بعد ليلة تطلقها، فالحاصل أن هذا نكاح تحليل فهو حرام.

الثالث: الشغار ، الشغار فسره في الحديث أنه أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ولا صداق بينهما بل بضع هذه مهر لبضع هذه، هكذا فسر، وفي بعض الروايات أن يقول: زوجني ابنتك على أن أزوجك ابنتي، أو زوجني أختك على أن أزوجك أختي، أو زوج ابني على أن أزوج ابنك يعني بشرط فيكون بهذا حراما، ولو دفعوا الصداق لماذا ؟ لأنه قد يكون إحدى البنتين غير راضية مكرهة يكرهونها ويقولون: أنكحي ولدهم حتى يُنْكِحوا ولدنا أنكحيه نَنْكَحك ولدهم حتى تحصل لنا ابنتهم فتكره إحدى الابنتين، وربما تكره الابنتان لمصلحة الولدين فهذا هو نكاح الشغار.

وأكثرهم يقولون: إنما سمي شغارا ؛ لأنه لا مهر فيه بل جعلت هذه مهرا لهذه فهذا هو الأشهر، والذي اختاره ابن سعدي في قوله: ولا مهر بينهما يعني أخذا مما روي في الحديث، والحديث مروي عن ابن عمر وقوله: تفسير الشغار بأنه يقول له: زوجني ابنتك على أن أزوجك ابنتي، ولا مهر بينهما قيل: إن تفسيره من ابن عمر، وقيل: إن تفسيره من نافع مولى ابن عمر، يعني ليس مرفوعا، ولكن إذا أخذنا كلمة الشغار.

الشغار: مشتق من الشغور الذي هو الخلو، قالوا: هذا مكان شاغر يعني خال، يقال شغر الكلب رجله يعني رفعها، وأخلى مكانها فسمي الشغار؛ لأنه يخلو إما يخلو من الرضا، وإما يخلو من المهر، وهذا هو الأقرب، فعلى كل حال أكثر العلماء يقولون: إذا تراضت المرأتان وأعطيت كل واحدة منهما مهرا كاملا، ولم يكن هناك اشتراط ولا إكراه، فإن ذلك جائز، فإن كان هناك اشتراطٌ: لا نزوجك حتى تزوجني، وإكراه وعدم إعطاءها مهر مثلها فإنه محرم. رخص النبي -صلى الله عليه وسلم- في المتعة ثم حرمها يعني في غزوة الفتح، هذا الصحيح أنه ما حرمها إلا مرة واحدة، ولا أحلها إلا مرة واحدة ولعن المحلل والمحلل له ونهى عن نكاح الشغار وهو أن يزوجه موليته على أن يزوجه الآخر موليته ولا مهر بينهما وكلها أحاديث صحيحة.

العيوب في النكاح
أما العيوب في النكاح، العيوب في أحد الزوجين تسبب الفسخ، فإذا وجد أحد الزوجين في الآخر عيبا، وهو لم يعلم به قبل العقد فله فسخ النكاح.

فتارة تكون العيوب في الرجال، في الرجل ككونه عنينا، أي لا يقدر على الوطء، وتارة تكون في المرأة خاصة من عيوبها ما يسمى الرتق والفتق والقرن والعفل وهي أمراض تكون في الرحم، أو في الفرج وتارة تكون في كل منهما كالجنون والجذام والبرص ونحوها يعني هذه عيوب ظاهرة ؛ لأنها تسبب النفرة، الجذام هو قروح تخرج في الوجه وفي الأنف وتكون شديدة التأثير شديدة الأثر وتنتقل بإذن الله؛ ولأجل ذلك قال في الحديث: فر من المجذوم فرارك من الأسد واستعاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- منه في قوله: أعوذ بالله من البرص والجذام وسيئ الأسقام .

البرص معروف الذي هو البهاق في الجلد، ولو لم يكن يعني ضارا، ولكنه منفر فهذه عيوب، فإذا وجد في المرأة واحدا منها فله الفسخ، وإذا وجدت فيه واحدا فلها طلب الفسخ حيث إنها لا تستقر معه وهو مجنون، أو به هذه العيوب، أما إذا وجدته عنينا أُجِّلَ إلى سنة.

قالوا: حتى تمر به الفصول الأربعة يعني قد يكون مثلا، ألمه كونه مثلا لا يقدر على الوطء يعني لا يحصل منه الانتشار، هذا قد يكون سببه البرودة، فإذا زال البرد حصل له القوة، قد يكون سببه الحرارة يعني يؤجل لمدة سنة حتى تمر به الفصول الأربعة، فإذا مضت وهو على حاله فلها طلب الفسخ ؛ ذلك لأن المرأة لها شهوة كما أن للرجل، فإذا لم يحصل منه الانتشار وهو الذي يكون منه عند الوطء فإنه معيب.

يقول: وإن عتقت كلها وزوجها رقيق خيرت بين المقام معه وفراقه، كما في قصة بريرة التي أعتقتها عائشة فإنها كانت تحت زوج مملوك يقال له: مغيث فلما عتقت خُيِّرَت خيَّرها النبي-صلى الله عليه وسلم- فاختارت نفسها وكان زوجها يحبها، ولكن قالت: لا حاجة لي فيه ؛ لأنه كان مملوكا، مملوكا يعني ملكا كاملا، أما إذا عتقت وزوجها حر فإنها قد تساوت معه فلا خيار لها، كانت مملوكة وهو حر، ثم عتقت فقد صارت مثله هو حر وهي حرة، فلا تملك أن تطلب الفسخ هذا هو القول الصحيح.

والرواية التي فيها أن زوج بريرة حر من رواية الأسود عن عائشة الصحيح أنها خطأ، الذين رووا أنه عبد أكثر من الذين رووا أنه حر، ففي حديث بريرة أنها خيرت حين عتقت على زوجها .

يقول: إذا وقع الفسخ قبل الدخول فلا مهر لها وبعده يستقر ويرجع الزوج على من غره وظهر مثلا أن فيها عيب الجنون، أو البرص، أو الجذام، أو فيها أمراض أخرى يعني من الأمراض الجديدة كمرض السرطان مثلا يعني متمكن منها، أو فيها مرض خفي من الأمراض التي أشرنا إليها التي لا يقدر الزوج على الوطء معها، وهي أمراض تكون في الرحم، أو في الفرج.

ذكرها الفقهاء بقولهم القرن والعفل والرتق والفتق، الفتق يعني فتق ما بين المخرجين، أو كذلك الرتق الذي هو ضيق الفرج، ومنه قوله تعالى: أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأََرْضَ كَانَتَا رَتْقًا يعني ملتصقتين يعني أن فرجها ملتصق لا يحصل فيه الإيلاج، فالحاصل أن هذه الأمراض إذا وجدها الزوج، فإن كان قبل الدخول فلا مهر لها، اتضح قبل الدخول أن فيها برصا، ثم طلقها، أو أن فيه برصا، أو جذاما ثم حصل الفراق فلا مهر لها.

أما إذا دخل بها فإن مهرها يستقر وتملكه، ولكن يرجع به على من غره سواء الذي غره أبوها، أو مثلا أخوها، أو الذي خطبها له ومدحها وقال: إنها كيت وكيت، وإنها سالمة، وإنها فيها وفيها، وليس فيها ما تعاب به، فهذا هو الذي غره فيرجع على من غره.

والحاصل أن العيوب في النكاح التي ذكروها تارة تكون في كل من الزوجين وتارة تكون في أحدهما فقد يقال: إذا وجد فيها عيبا، وفيه مثله إذا وجد فيها برص، وهو أبرص فهل لها الخيار، أو له الخيار، نعم قد ينفر الإنسان من مرض، وهو موجود فيه يعني قد يرى أنه مثلا أن البرص الذي في غيره أشد من البرص الذي فيه، أو أنه عيب، وإن لم يكن عيبا في نفسه، وهكذا مثلا الجذام والبرص وما أشبه ذلك، هذه هي العيوب في النكاح، وبعد الصلاة -إن شاء الله- نقرأ الصداق وما بعده.
رد مع اقتباس