عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-22-2017, 10:36 PM
alfares alfares غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 36,031
إرسال رسالة عبر ICQ إلى alfares إرسال رسالة عبر MSN إلى alfares
افتراضي حسن فتحي وكتاب عمارة الفقراء - نظرة عامة لكتاب عمارة الفقراء لحسن فتحي

حسن فتحي وكتاب عمارة الفقراء - نظرة عامة لكتاب عمارة الفقراء لحسن فتحي



كل شعب ممن أنتج معمارا يطور أشكاله المحببة له هو نفسه ، و التي تخص هذا الشعب مثلما تخصه لغته ، أو ملبسه ، أو فنونه الشعبية . و قبل انهيار جبهات الحضارة في القرن الماضي ، كان هناك في العالم كله أشكال و تفاصيل محلية متميزة للمعمار و كانت بنايات كل موقع محلى بمثابة أطفال جميلة لزواج سعيد قد عقد بين خيال أفراد الشعب و احتياجات ريفهم . و لست بالذي يطلب التأمل في المنابع الحقيقية للخصوصية القومية ، كما أني لست مؤهلا لذلك بأي حال . و لكني أود أن أطرح ببساطة أن أشكالا بعينها تفتن أفراد أحد الشعوب ، فيستخدمها في مجالات جد متنوعة نابذين فيما يحتمل أي تطبيقات غير ملائمة ، و عندما يضيع التراث فإنه المدن تصبح أكثر فبحاً و كل ومحاولة لعلاج هذا الموقف لا يؤدي إلا لتأكيد هذا القبح .و لحل هذه المشكلة ينبغي علينا أولاً أن نحاول تشخيص الداء و أن نفهم الأسباب الجذرية اللازمة لأنه الفساد الحضاري يبدأ بالفرد نفسه و لذلك كلما زاد المناسبات التي يمارس فيها الكائن الحي الاختيار زاد علو المرتبة التي يوضع عليها بمقياس الحياة .

دورا لتراث :

التراث ليس بالضرورة طراز قديم و هو لا يرادف الركود و الخروج عن التراث عمداً في مجتمع تقليدي كما في مجتمع الفلاحين هو نوع من الجريمة الحضارية و لذلك يجب على المهندس المعماري أن يحترم التراث الذي يقتحمه و لا يفترض أن هذا التراث هو عائق له لأن جهد الإنسان إذا كان يبني عمله على تراث راسخ قد ينتج عنه تقدم هائل و العمارة مازالت من أكثر الفنون تعلقاً بالتراث لذلك على المهندس المعماري أن يحترم أعماله سابقيه و عندما يوهب المعماري تراث واضحاً ليعمل فيه كما في قرية قد بنيت بواسطة الفلاحين فإنه لا يحق له أن يحطم هذا التراث بنزواته الخاصة .



إنقاذ الفردية بالقرية :

في الماضي عندما كان أحد الرجال يريد بناء بيت فإنه يظل يعمل مع البناءين يقترح و يصر و يرفض فهو يشارك في تصميم من البداية إلى النهاية لأنه يظل دائماً في حدود التراث و حديثاً أصبح المهندس المعماري بخبرته و عمله يضيع كل بهجة بناء البيت على عميله فلم يعد للمالك فرصة ممارسة اختياره إلا في أدنى حدود لأنه لا يفهم لغة الرسم المعماري . و المهندس المعماري يحس بما له من العلم و المعرفة و التقنية بأنه في مرتبة أعلى من عميله و بالتالي أذعن العميل مستسلماً .إن التخطيط العام للقرية أو المدينة هو المجال الصحيح للسلطة . أما شكل البناء للمنازل فيجب إن يترك للأفراد و الأسر التي هي أدرى باحتياجاتها فلكل أسرة لها ظروفها و حاجاتها التي تختلف عن الأسرة الأخرى فلا يعقل و لا يجوز أن تبني ( 1000 ) وحدة سكنية متشابهة ثم توزعها على الأسر دون النظر إلى التباين و الاحتياجات المختلفة لكل أسرة بحجة و ذريعة التوفير ، و لذلك ليس عليك أن تبني للإنسان بيتاً مثلما ليس عليك أن تبني للطيور أعشاشها و لو أعطي الإنسان نصف فرصة فإنه سيحل الجزء الذي يحصل عليه من مشكلة الإسكان دون عون من المهندس المعماري و سيحله بأفضل من أي سلطة حكومية و بالتالي فإن الحكومة يكمن دورها في إزالة العقبات أمام البناء الخاص و العام . و هذا كله يدخل في نطاق موارد أي حكومة إذا تذكرت أن البيت هو الرمز المرئي لهوية الأسرة و هو التعبير الحقيقي عن شخصيتها .

إحياء حرف التراث بالقرية :

إن حرف التراث يمكن إعادة إحيائها سريعاً والأمر يحتاج إلى إعادة رد اعتبارها أكثر ما يحتاج لإعادة تعليمها و لذلك على المهندس المعماري أن يستخدم سلطته و أن يعثر على الحرف المخبوءة و يأتي لها بالنور و يعيد للحرفي مرة ثانية ثقته التي فقدها و لا يقول بأن الصنعة التي من هذا النوع قد راح زمانها و لا تستطيع البقاء في الظروف الحديثة . لأنه يدرك بأن الحلول الغالية التكلفة هي حلول غير عملية كما لا يجب أن يفرض ذوقه المنحرف على الآخرين بل يجب أن يرشدهم إلى تقدير الجمال .





استخدام طوب اللبن ضرورة اقتصادية :

إن الفلاّح لن يستطيع الفرار من القيود الصارمة التي تفرضه عليه مادة بنائه فالفقر يرغمنا على استخدام طوب اللبن على نطاق واسع و لذلك يجب أن يتعاون المالك و المهندس المعماري و الحرفي لكي نستخدم طرق البناء التراثية . و لذلك يجب أن يعرف المهندس المعماري كل تفاصيل الحياة المنزلية للفلاح في القرية و إن يفهم ماذا يريد في بيته . و لذلك فأن المهندسين المعماريين مطالبون بأن يشركوا العميل أو أهل القرية في تصميم منازلهم لأنه أكثر دراية بحاجاتهم منا لان العميل و المهندس المعماري و الحرفي كل في مجاله يجب أن يتخذ القرارات و إذا تنازل أي واحد منهم من مسؤوليته فسوف يعاني التصميم من ذلك و سيتقلص الدور الذي يقوم به المهندس المعماري في نمو الازدهار الحضاري لشعبه كله و يجب أن ننتبه بأنه الفلاحين لا يستطيعون التعبير عن احتياجاتهم المادية في الإسكان لأن الفلاح لا يتحدث عن الفن و إنما هو يصنعه .

المعمار الدارج في القرنة :

في قرنة مرعي لا يوجد أي أثر لحذلقة المعماري فلا يوجد تشنج لمحاولة التسلق إلى مرتبة اجتماعية أعلى و إنما استخدام مباشر لمواد البناء في أغراض حياة الفلاح و أي تفاصيل يتم بناؤها لأن الفلاح يحتاج إليها من غير أي تفكير في محاولة التأثير في أناس آخرين فالبيت فيه اكتفاء ذاتي هادئ و البيت من هذا النوع لا بد أن بينيه صاحبه ذلك أن كل خط غير منتظم و كل منحنى هو انعكاس لشخصيته و ذلك لا يمكن أن يوجد هذا البيت إلا في إحدى القرى حيث تكون عملية البناء عملية تجري على الراحة و بدون حذلقة . و أبراج الحمام في القرية القديمة خير شاهد على ذلك و لذلك يجب على المهندس المعماري أن يؤمن بالتغيير بشرط أن يتواصل مع التراث لأن المعمار التراثي يجب أن يكيف نفسه مع البيئة الطبيعية و بالتالي يجب أن تبدوا مباني القرية كما لو كانت نتاج قرون من التراث .

المناخ و العمارة :

يتميز مناخ مصر العليا بأنه منطقة حارة جافة مع اختلاف واسع في درجات الحرارة نهاراً و ليلاً من هذا المنطلق يجب على المهندس المعماري أن يأخذ بعين اعتباره عند التصميم المناخ الموجود في المنطقة و لذلك أن أفضل مواد البناء في مثل هذا المناخ هي تلك المواد التي لا توصل الحرارة . و يعتبر اللبن الطين أسوء موصل للحرارة و هذا لحسن الحظ إضافة إلى ذلك يجب توجيه المنازل في جزء منها إلى الشمس و في الجزء الآخر إلى الرياح .

المجتمع و العمارة :

لمظهر البناء تأثير عميق في سكانه و البيت هو مكبر الإنسان نفسه و بالتالي يعبر عن شخصية الإنسان و منزلته مع التفاصيل الأخرى لفرديته كما يتكيف حسب حاجاته الاقتصاديـة و بالتالي تتخذ المباني شكل المجتمع بما له من أبعاد كثيرة و لذلك على المهندس المعماري عندما يريد أن يصمم منزلا أو قريةً عليه أن يراقب حياة القرية ليكتشف كيف يقوم الناس بعملهم و كيف يستخدمون بيوتهم و ما هي عاداتهم و تقاليدهم بمعنى آخر أن يخضع القرية إلى بحث شامل اجتماعي و اقتصادي حتى يكون تصميمه متناسباً و متناغماً مع احتياجاتهم و طبيعة تكوينهم و أنماط سلوكهم

بنية القرابة و التقاليد المحلية :

إن العربي يأتي من الصحراء و الصحراء هي التي كونت عاداته و وجهة نظره و شكلت حضارته و هو مدين للصحراء ببساطته و كرمه و ميله للرياضيات و الفلك و لما كانت الصحراء بالنسبة للعربي عدوا قاسيا محترقا متوهجا لذلك نجده لا يفتح بيته على الطبيعة لأنها قاسية أما السماء فهي النقية الطاهرة الواعدة بالبرودة و الماء و لذلك نجد بيوتهم قد أدارت ظهرها إلى الخارج و فتحت قلبها و عينيها إلى الداخل " الفناء " لتنظر إلى السماء حيث السكينه و الهدوء و لا غرابة عندما جعلوها بيت الله و هذا ما لا نجده في المنازل عند الناس في أوربا فالبيت عندنا يكون مربعاً أجوف و قد أدار للخارج جدران صماء بلا نوافذ بينما تطل كل غرفة للداخل على فناءٍ لا يمكن أن يرى منه إلا السماء و قد جمل هذا الفناء بعنصره المائي مؤنثا بشكل نافورة فهو بيت مفعم بالسلام و كلمة العربية المسكن تتعلق بكلمة السكينه حيث ينعم الساكن بالأمن و الهدوء و الاستقرار .

الاعتبارات الاجتماعية الاقتصادية :

إن مسألة أسباب العيش عند أهل القرنة يجب أن تأثر في تصميم بيوتهم و ما يتم توفيرها لهم من المباني العامة و بما أن لأرض المحيطة بالقرنه لا تتناسب مع الكثافة السكانية المتواجدة فوقها لذلك يجب أن تدخل مهن أخرى إضافية إلى حياتهم كخدمة الآثار و مهن البناء و المنسوجات الصوفية وصناعة الفخار و بذلك تتوسع مواردهم نتيجة لتزويدهم بالمهن التي توفر لهم الموارد المناسبة .

تخطيط القرنة الجديدة :

عندما يصمم المهندس المعماري قريةً يحتاج إلى بذل أعظم عناية فنية إذا كان له أن يخلق توحدا و طابعا و جمالا يقترب حتى من الجمال الطبيعي الذي يخلقه الفلاحون بلا وعي في قراهم التي نمت نموا وئيداً طبيعيا و لذلك يجب على المهندس المعماري أن يهتم بتصميم المسجد وساحة السوق و المسرح و المدارس و هكذا تصبح مفردات التصميم ألحانا جميلة تشكل في النهاية مجتمعة سيمفونية رائعة اللحن .



الخلاصة :

إن مؤلف هذا الكتاب " عمارة الفقراء ، لحسن فتحي " يحاول أن يلفت انتباه المهندسين المعماريين و السلطة السياسية و كل من له شأن في مجال العمارة و التخطيط و بناء المدن و القرى بأن الانسلاخ عن التراث في عملية البناء و التصميم بحجة الحداثة هو خطأ فادح يترتب عليه مآسي اجتماعية و اقتصادية لا تحمد عقباها و من أولاها ضياع هوية المجتمع و انسلاخه عن ماضيه و تراثه و انعدام التفاعل الحي بين البيئة و حاجات المجتمع الخاصة و أشكال البناء المستوردة من الخارج و التي لا تتناسب مع ميول و حاجات و أمزجة و بيئة الإنسان المصري و لذلك فهو يدعو إلى تفعيل التراث في البناء و التصميم دون أن يغفل دور الحداثة و الحاجات المستحدثة نتيجة لتطور العصر و دون أن تكون هذه الحداثة على حساب تدمير التراث الذي يمتد في ذاكرة الإنسان المصري إلى آلاف السنين لأنه جهد أجيال و حقبٍ تفاعلت مع البيئة و حاجات الإنسان فأنتجت تصاميم دافئة حانية واكبت متطلبات الحياة على مر الأزمان و العصور على عكس ما نشاهده اليوم من خلال تلك التصاميم المثلجة و التي يشعر بغربة من يقطنها لذا فعلينا أن نكون في تصاميمنا كالشجرة التي لا تنسى أو تتناسى براعمها الصغيرة و الجديدة بأنها تستمد حياتها و رونقها و جمالها من الدماء التي ترتشفها لها جذورها من أعماق التربة ، ولذلك يجب عليها أن تكون امتداداً لذلك الجذر و الابنة الشرعية له .
رد مع اقتباس