عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-19-2006, 06:51 AM
وحده مو ثنتين وحده مو ثنتين غير متواجد حالياً
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Dec 2006
المشاركات: 3,382
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد.

المحرمات من النكاح قد بيَّنَهن الله تعالى في القرآن بيانا واضحا، ولكن العلماء توسعوا في التسمية، الله تعالى يقول: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ الأم تدخل فيها الجدة ؛ لأن الجدة أم أم، أو أم أب فتكون محرمة أيضا، وإن بعدت، وإن كانت جدة أب، أو جدة جد، أو نحوها هذا معنى قوله: وإن علون، أي: وإن كانت الجدة بعيدة منه، فإنها محرمة عليه، وهو محرم لها.

الثاني: قوله: وبناتكم البنت يدخل فيها بنت الصلب التي هي بنته من امرأته، ويدخل فيها أيضا بنت ابنه وبنت بنته، وبنت بنت بنته، وبنت بنت ابنه، وبنت ابن ابنه، وإن نزلن ؛ وذلك لأن الجميع ينتسبون إليه، هؤلاء محرمات إلى الأبد، ولو من بنات البنات يعني بنت البنت، أو بنت بنت البنت، وكذلك بنت الابن، أو بنت بنت الابن هؤلاء محرمات إلى الأبد.

الأخوات: الأخوات يدخل في قوله: وأخواتكم الأخت الشقيقة، والأخت من الأب، والأخت من الأم ؛ لأن الجميع تسمى أخت، بناتهن، الله -تعالى- يقول: وَبَنَاتُ الأَُخْتِ بنت الأخت الشقيقة، أو بنت بنت الشقيقة، أو بنت ابن الشقيقة، أو بنت بنت ابن الشقيقة، وإن نزل أبوها، أو وإن نزلت أمها الجميع محرمة، وكذلك بنت الأخت من الأب، أو بنت بنتها، أو بنت ابنها، أو نحوهم، وكذلك بنت الأخت من الأم، أو بنت بنتها، وإن نزلن، كذلك بنات الأخ، بنت الأخ الشقيق، أو لأب، أو لأم، وبنت ابن الأخ، وبنت بنت الأخ وإن نزلوا.

أما العمة فلا فروع لها إلا أنها تنقسم إلى عمة شقيقة، عمة لأب، عمة لأم أخت الأب من أبويه، أخت الأب من أبيه، أخت الأب من أمه، أما بناتهن فلسن محارم لسن محرمات يعني: يحق له أن يتزوج بنت عمته.

كذلك الخالات ثم قوله: الخالات: الخالة يدخل فيها أخت أمه الشقيقة، أو أختها من الأب، أو أختها من الأم، لكنه يقول: والخالات يعني والعمات والخالات له، أو لأحد أصوله، ما معنى لأحد أصوله ؟ عندنا أخت أبيه تسمى عمة عمته، أخت جده تسمى عمة أبيه، أخت جد أبيه تسمى عمة جده وهكذا، أخت جدته أم أبيه، أو أم أمه تسمى أيضا خالة، خالة أمه وخالة جدته، فالحاصل أن العمة يدخل فيها عمته، وعمة أبيه وعمة جده، وعمة جد أبيه وإن نزلوا.

والخالة تدخل فيها خالته أخت أمه، وأخت جدته، وأخت أم جدته وأخت أم أم جدته، وهكذا الجميع خالات، يعني الله تعالى ذكر الخالة والعمة، ولكن أطلقوها، فأدخلوا فيها البعيدة والقريبة.

فهؤلاء سبع من النسب يعني من القرابة ومن الرحم: الأم، والبنت أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأََخِ وَبَنَاتُ الأَُخْتِ هؤلاء سبع من النسب. السبع الأخرى سبع من الرضاع، وأربع من المصاهرة:

السبع من الرضاع نظير السبع من النسب، فأمه التي أرضعته هذه تكون محرما له، وبنتها التي رضعت من زوجته محرما له أيضا، وأخته التي رضعت من أمه محرما له، أو رضعت من زوجة أبيه محرما له، وكذلك التي رضعت من أخيه محرما له، أو رضعت من أخته محرما له، أو أخت أبيه من الرضاعة يعني رضعت من جدته أم أبيه، أو رضعت من جدته، أم أمه هؤلاء السبع، سبع من الرضاع يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.

أربع من المصاهرة الله تعالى ذكر قوله: وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ هذا إذا تزوجت امرأة، ولو لم تدخل بها: حرمت عليك أمها مطلقا، ولو طلقت البنت قبل الدخول ولو ماتت قبل الدخول، أمها تكون محرما لك أبدا.

أما بنتها فإنها لا تصير محرما لك إلا إذا دخلت بالأم، إذا كان للزوجة بنات من غيرك، فإنهن محرم لك بشرط أن تدخل بأمها، والله تعالى ذكر ذلك وفصَّل في قوله تعالى: وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فإذا تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها، أو ماتت قبل أن يدخل بها جاز أن يتزوج بنتها؛ لأنها لم يكن لها به قرابة تحل له بنتها، ولا تحل له أمها كما ذكروا.

يعني قوله: وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ يدخل في أمها جدتها أم الأم، جدتها أم أبيها، وإن علت ويدخل في قوله تعالى وربائبكم يدخل فيها بنت زوجته وبنت بنتها، وبنت ابنها، فإذا كان لزوجتك بنت وابن من غيرك قبلك، أو بعدك فإن بنتها وبنت بنتها محرم لك وكذلك بنت ابنها.

ولو طلقتها تزوجت امرأة وطلقتها ونكحت زوجا آخر، وأتت منه ببنات فإن بناتها من بعدك محارم لك ولو لم تكن ربيبة، وإنما ذكر كونها ربيبة بناء على الأغلب، الغالب أن بنت الزوجة تتربى في حجره مع أولاده، ولكن قد لا تتربى، قد تكون عند أبيها، لا تتربى عنده، ولكن لما كانت بنت زوجته حرمت عليه وكذلك بنت ابن زوجته هذه بنتان.

وكذلك زوجات الأباء، وزوجات الأبناء، هذه أربع: زوجة أبيك وزوجة ابنك ويدخل في أبيه في قوله تعالى: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ يدخل في "آباؤكم" الأجداد، فزوجة أبيك ولو بعد طلاقه، أو بعد موته محرم لك، وكذا زوجة جدك أي جد، زوجة جدك أب الأم، وزوجة جدك أب الأب كلهن محارم لك؛ وذلك لأن الجد يسمى أبا، ولو لم يكن وارثا ؛ لأن الأب اسم لمن له ولادة، فالله -تعالى- ما ذكر إلا الأباء في قوله تعالى: أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ لما ذكر المحارم قال: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ بعولتهن: يعني أزواجهن، فيباح لها أن تكشف لأبي زوجها، وكذلك جده، وجد أبيه وجد أمه، يباح له أن تكشف لابن زوجها وابن ابنه وابن بنته، وإن نزل لعموم هذه الآية: أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ وكذلك أيضا قوله: وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ حلائلهن يعني زوجاتهن وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ زوجات الأبناء وإن نزلن.

ثم إن المؤلف يقول: "من نسب، أو رضاع" زوجات الأبناء وإن نزلن، أو الأبناء وإن نزلوا، زوجات الابن وإن نزل من نسب، أو رضاع.

زوجة الابن من الرضاع وزوجة الأب من الرضاع هذه فيها خلاف، المؤلف ابن سعدي يرى أنها تحرم، وأن أباك من الرضاع تكشف له امرأتك، وابنك من الرضاع تكشف له امرأتك، ولو لم تكن أرضعته، لو كان لك زوجتان فأرضعت إحداهما صبيا نفرض أن اسمه أحمد، ثم كبر أحمد هذا، وكان له أولاد فإنه محرم لزوجتيك التي أرضعته والتي لم ترضعه؛ ذلك لأنه ابنك، فيكون داخلا في قوله: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ويكون داخلا في قوله: وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الأبناء يدخل فيها الابن من الرضاع والابن من الولادة.

لكن أشكل قوله: الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ فقد يقال: إن الابن من الرضاع ينسب إلى الصلب؛ وذلك لأن اللبن يتحلل من الصلب، ومن الجسد كله، واللبن الذي في المرأة سببه هذا الولد أي: سببه هذا الرجل الذي حملت المرأة من مائه الذي من صلبه، فوجد هذا اللبن الذي هو سببه، فيكون اللبن منهما جميعا وهو من الصلب.

وقد فهم بعض المشايخ من هذه الآية أنه لا يدخل فيه الابن من الرضاع لقوله: مِنْ أَصْلابِكُمْ ومنهم الشيخ محمد بن عثيمين يرى أن الابن من الرضاع لا يكشف على زوجة أبيه من الرضاع يخالف شيخه هنا، فإن ابن سعدي هو شيخه يخالفه هنا، ويتقيد بقوله: مِنْ أَصْلابِكُمْ .

المفسرون للقرآن جعلوا الابن من الرضاع مثل الابن من الصلب، وقالوا: إن الصلب موجود، وإن الرضاع سببه هذا الرجل، فهو من صلبه، يعني: ينسب إليه وإن لم يكن وارثا، ثم قالوا: إن الآية أخرجت المتبنى وهو الدَّعِي، وقد كانوا في الجاهلية يتبنى أحدهم شخصا، ويسميه ابنه، فأخرجت الابن المدعى الذي هو الذي يسمى دَعِيًّا ويسمى متبنى، أخرجته كما أخرج في سورة الأحزاب، في قوله تعالى: وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ فالآية لإخراج الدَّعِيّ، وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ .

وكانوا في الجاهلية إذا رأى أحد منهم طفلا أعجبه نباته أعجبه حسنه وأعجبه جماله تبناه، وقال: أشهدوا أن هذا ابني فيصير دَعِيًّا، ويصير ابنا له وينسب إليه ويرثه، فنسخ الله ذلك وكان منهم زيد بن حارثة، ابن حارثة كان يدعى زيد بن محمد ؛ لأنه لما أعتقه -عليه الصلاة والسلام- تبناه فنسخ الله قرابته وأنزل فيه قرآنا في قوله تعالى: لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ أدعياؤهم يعني الذين يسمونهم أبناء لهم وهم ليسوا بأبناء، وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ وأنزل فيهم أيضا قوله تعالى: ادْعُوهُمْ لآَبَائِهِمْ فلما نزلت قال زيد بن حارثة: أنا زيد بن حارثة، وقد كان يدعى زيد بن محمد الآية في قوله: الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ إنما هي لإخراج المتبنى؛ لأنه ليس ابن لا من صلب يعني لا من ولادة ولا من رضاعة.

فالحاصل أن المحرمات تحريما مؤبدا، ذكر منهن نحو ثمانية عشر: الأم من النسب، والأم من الرضاعة، والبنت من النسب، والبنت من الرضاعة، والأخت من النسب، والأخت من الرضاعة، وبنت الأخت من النسب، وبنت الأخت من الرضاعة، وبنت الأخ من النسب، وبنت الأخ من الرضاعة، العمة من النسب، العمة من الرضاعة، الخالة من النسب، الخالة من الرضاعة، هؤلاء أربعة عشر يقال: قرابتهن نسب، أو رضاعة.

أما اللاتي من المصاهرة فهن: أم الزوجة، وبنتها، إذا كان قد دخل بها وزوجة الأب، وزوجة الابن هؤلاء ثمانية عشر.

يقول: الأصل في هذا قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ إلى آخرها وقوله -صلى الله عليه وسلم-: يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة، أو من النسب متفق عليه.

أما المحرمات إلى أمد يعني إلى أجل يعني: ليس تحريمهن دائما منهن: قوله تعالى: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأَُخْتَيْنِ الله تعالى حرم أخت الزوجة في هذه الآية؛ ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- حرم بنت أخيها وحرم بنت أختها وحرم عمتها، وحرم خالتها، فإذن يكون المحرمات إلى أمد أخت زوجتك تحرم عليك ما دامت زوجتك عندك، عمتها، خالتها، بنت أخيها، بنت أختها، هؤلاء محرمات إلى أمد، فمتى طلقت زوجتك، أو ماتت فإنه يحل لك أختها، أو عمتها، أو خالتها، أو بنت أخيها، أو بنت أختها لزوال السبب.

السبب أنه -صلى الله عليه وسلم- لما حرمهن قال: إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم العادة أنه إذا جمع بين زوجتين، فإن الزوجتين يكون بينهم حقد وبغضاء ومنافسة، وربما يؤدي ذلك إلى تهاجر وإلى تقاطع؛ أنهما يسميان ضرتين، كل واحدة تحرص على ضرر الأخرى، أو ترسل إليها ضررا، فإذا كانتا أختين فلا شك أنهما سوف يتقاطعان ويتنافسان، فيكون ذلك قطيعة رحم.

كذلك إذا كانت عمتها، خالتها، بنت أخيها، بنت أختها، فإنها بلا شك قد تهجرها وتسيء الظن بها وتحسدها، وتتكلم في عرضها، وتقدح فيها، وتتكلم فيها عند زوجها، وتقول: إنها فعلت وإنها فعلت ؛ لأنها ضرة، فهذا هو السبب في تحريمه الجمع بينهن.

لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها، سواء كانت الأولى هي الصغيرة، فينكح عليها عمتها، أو خالتها، أو الأولى هي الكبيرة العمة، أو الخالة فينكح عليها بنت أخيها، أو بنت أختها، أما قوله: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأَُخْتَيْنِ يقول: ولا يجوز للحر أن يجمع بين أكثر من أربع، الله -تعالى- حدد للرجل أربع قال تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ وقف الحد عند الأربع أي: إن شاء اثنين، وإن شاء ثلاثا، وإن شاء أربعا بشرط وهو العدل، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ .

إذا كان يخشى ألا يعدل بين زوجتيه فإنه يقتصر على واحدة، ولا يجوز له أن يزيد إذا كان لا يعدل بينهن، الله تعالى أباح الأربع، أو ثلاث، أو ثنتين بشرط العدل، العدل في القسمة وفي النفقة وفي المبيت، وما أشبه ذلك، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقسم بين نسائه ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلومني فيما تملك ولا أملك يعني: القلب، يعني لا يقدر أن يسوي بينهن في المحبة، ولكن في الأفعال يلزمه أن يسوي بينهن، فإن خشي ألا يسوي بينهن، فإن عليه الاقتصار على واحدة.

يقول: ولا للعبد أن يجمع بين أكثر من زوجتين ؛ لأن العبد على النصف من الحر، فلا يتزوج أكثر من اثنتين.

يقول: أما ملك اليمين فله أن يطأ ما شاء، إذا كان له مملوكات فله أن يطأ ولو خمسا، أو ستا، أو سبعا، أو عشرا ؛ لأن الله -تعالى- أباح ذلك بقوله: فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ يعني أنه يستمتع بمملوكته وبمملوكتيه وبمملوكاته، وليس عليه أن يسوي بينهن، ولا أن يعدل بينهن، بل يحل يه أن يطأ من يريد منهن.

إذا أسلم الكافر وتحته أختان، أو أكثر من أربع اختار، فمن ذلك قصة فيروز الديلمي أسلم قال: أسلمت وتحتي أختان فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- اختر إحداهما وذلك لئلا يجمع بين محرمتين، الأختين الجمع بينهما محرم أمره أن يفارق واحدة، فارقها حرمها على نفسه وبقيت الأخرى زوجة له، قال: أختار هذه وأترك هذه.

كذلك أيضا أسلم رجل يقال له: غيلان وعنده عشر كانوا في الجاهلية يأخذون إلى غير عدد أسلم وعنده عشر فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: اختر منهن أربعا وفارق سائرهن وكانت كل منهن تريد أن تبقى معه، ولو كن كثير وكان له أولاد منهن، فلما جاء وأخبرهن أخذت كل واحدة تقول له: اتق الله في صحبتي، اتق الله في ولدي، اتق الله في قرابتي، ولكن ليس له بد من المفارقة ففارق ستا وأمسك أربعة، هذا ثابت عنه.

ذكروا عنه أنه لما كان في عهد عمر -رضي الله عنه- وكبر سنه، طلق زوجاته الأربع كلهن، وفرق أمواله على أولاده، فأُخْبِر عمر -رضي الله عنه- أنه قصد بذلك حرمان الزوجات فاستحضره وقال: لتراجعن زوجاتك ولتستعيدن أموالك، ولأمرن بقبرك أن يرجم كما رجم قبر أبي رغال، يعني لو مات على ذلك لأمر به أن يرجم علمه بأن يستعيدهن، وهذا يدل على أنه لا يجوز الطلاق قرب الموت، أو في مرض الموت، وإن فعل فإن للمطلقة ميراثها.

يقول: وتحرم المحرمة حتى تحل من إحرامها، وتقدم من محظورات الإحرام عقد النكاح لقوله-صلى الله عليه وسلم-: لا يَنكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب فذلك لأن المحرم متلبس بعمل صالح، وهو هذا النسك، ومأمور بأن يبتعد عن الترفه، ومن جملة الترفه ما يتعلق بالنساء، ولذلك قال الله: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وفسر الرفث بأنه ما يقال عند النساء، أو ما له الاتصال بالنساء، فحرم النبي -صلى الله عليه وسلم- على المحرم أن يتزوج ما دام محرما، أو على المحرمة أن تُزوج ما دامت محرمة، الولي المحرم لا يعقد، والزوج المحرم لا يتزوج، والمرأة المحرمة لا تُزوج حتى تتحلل.

كذلك المعتدة لا يحل لها أن تتزوج، وهي في عدتها، حتى يبلغ الكتاب أجله، المعتدة إما أن تكون معتدة بطلاق كالتي طلقها طلقة واحدة، أو ثنتين، أو ثلاث فعدتها مثلا ثلاثة قروء، أو ثلاثة أشهر إن كانت لا تحيض، أو وضع الحمل إن كانت حاملا، أو أربعة أشهر وعشرة أيام، إن كانت متوفى عنها، فهذه ما دامت في عدتها، فإنها لا تتـزوج، فقد تقدم أنه يجوز التعريض بخطبة المعتدة، تقدم أنه يجوز، إني فيك لراغب، أو إني أريد امرأة، أو إني أرغب الزواج، أما تصريحه بخطبتها فلا يجوز، وكذلك بطريق الأولى العقد عليها، وهي في العدة، فإذا عقد عليها، وهي في العدة، فإن العقد باطل.

والزانية على الزاني وغيره حتى تتوب، اختلف في قوله تعالى: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ قالوا: كيف جعل المشرك ينكحها، وجعل المشركة ينكحها المسلم، وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ كيف هي مسلمة ينكحها مشرك؟ كيف الزاني ينكح المشركة؟

المفسرون قالوا: لأن الأقرب أنه ما دام مُصِرًّا على الشرك، ما دام مُصِرًّا على الزنا، أو مصرة على الزنا، فإن المسلم يتعفف عنها؛ لئلا تدخل عليه أولادا من غيره؛ وكذلك المرأة إذا عرفت أن هذا الزوج زان متظاهر بالزنا؛ فإنها تتعفف عنه حتى لا يكون له أولاد يعيشون من صلبه، أو أولاد ليسوا أولاد رشد فتتعفف عنه، ولا تتزوجه فلا يقبله إلا زانية مثله، أو لا يقبله إلا مشركة ؛ لأن المشركة لا تفرق بين الحلال والحرام.

هذا هو المعنى الأقرب أن الزاني لا يقبله إلا امرأة مثله زانية، أو لا يقبله إلا امرأة مشركة ؛ لأنها لا تفرق بين الزنا والنكاح، كذلك الزانية لا يقبلها إلا من هو زان مستمر على الزنا، أو يقبلها مشرك ؛ لأنه لا يبالي إن زنت وأدخلت عليه أولادا.

والحاصل أنها ما دامت زانية مجاهرة بالزنا حرام على المسلم أن يتزوجها ؛ لأنها قد تدخل عليه أولادا من غيره، فإذا تابت وصلحت توبتها، فإنها تحل للمسلم للعفيف، واختلف كيف تعرف توبتها؟ فقال بعضهم: توبتها أن تُرَاوَدَ فتمتنع، أن يأتيها واحد من أهل العفاف في خلوتها ويراودها، فإذا امتنعت علم بذلك توبتها.

ولكن الصحيح أن هذا لا يجوز، لا يجوز أن يخلوا بها حتى ولو كان عفيفا ؛ فلأن الشيطان قد يقرب بينهما حتى ولو كان عفيفا، فلا يجوز أن يراودها أحد، ولكن إذا عرفت توبتها وعرف صلاحها وبُعْدُها عن الزنا، وبُعْدُها عن أماكن الزنا ورشدت وصلحت حالتها جاز للعفيف أن يتزوجها.

يقول: وتحرم المطلقات ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره وتنقضي عدتها؛ لقوله تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ ثم قال بعد ذلك: فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ يعني فإن طلقها بعد الطلقتين، فالطلاق مرتان يعني الطلاق الرجعي ؛ ولهذا قال بعده: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ يعني إذا طلق واحدة جاز له أن يراجعها في العدة، أو يتزوجها بعقد جديد بعد العدة، إذا طلق الثانية جاز له أن يراجعها في العدة، أو يتزوجها بعقد جديد بعد انتهاء العدة، إذا طلقها الثالثة حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره.

وهذا لأجل البعد عن الإضرار، كانوا في الجاهلية لا يبالي أحدهم أن يضار امرأته فيطلقها، فإذا قربت أن تنتهي العدة راجعها ثم أمسكها يوما، أو يومين، أو أياما ثم طلقها، فإذا مكثت ثلاث حيض، أو نحوها قاربت أنت تنتهي عدتها راجعها، ولو عشر طلقات، ولو عشرين طلقة، فكان ذلك ضررا على المرأة، فجعل الله له ثلاث طلقات بعد الثلاث ليس له رجعة تحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره؛ لأنه إذا عرف أن الثالثة تُحَرِّمها عليه أمسك نفسه، أمسك لسانه وتَثَبَّتَ، وخاف أنها إذا طلقت وتزوجت غيره أنها لا ترجع إليه، وأن الزوج الذي يتزوجها تعجبه ويمسكها، وتبقى زوجة له، ويحرم زوجها الأول، ويضيع منه أولاده منها ؛ فلأجل ذلك حدد له ثلاث طلقات، فإذا طلقها الثالثة، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، ثم يفارقها الزوج الثاني، أو يموت عنها وتنقضي عدتها، وسيأتينا لهذا تكميل.

يقول: ويجوز الجمع بين الأختين بالملك يعني بملك اليمين، يجوز أن تشتري أمتين أختين تستخدمهما، ولكن لا تطأهما معا، إذا أردت الوطء فاختر واحدة للاستمتاع، وتَجَنَّب الأخرى لدخولهما في قوله: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأَُخْتَيْنِ إذا وطئ إحداهما لم تحل له الأخرى حتى يحرم الموطوءة، أو إخراج من ملكه، أو تزوج لها بعد الاستبراء فإذا وطئ الكبيرة تجنب الصغيرة.

متى تحل له الصغيرة إذا باع أختها، أو زوجها، زوجها لأنسان حر، أو عبد، فإنها حينئذ تحرم عليه الكبيرة التي قد وطئها حرمت عليه حين صارت زوجة لغيره، أو حين صارت عتيقة، أو حين صارت مملوكة لغيره حتى يحرم الموت، أو بإخراج عن ملكه يبيعها يعتقها، أو تزويجا لها. ولا يزوجها حتى يستبرئها كما يأتينا في العدد استبرائها بحيضة حتى يتحقق أنها ما حملت منه فإذا استبرأها وتحقق براءة رحمها زوجها.

يقول: الرضاع الذي يحرم ما كان قبل الفطام، ثبت أنه-صلى الله عليه وسلم- قال: إنما الرضاعة من المجاعة وقال: لا يُحَرِّم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم أنبت اللحم يعني نبت عليه لحم الطفل، وأنشز العظم يعني كبر، نشذ يعني كبر العظم، يخرج رضاع الكبير فإنه لا يحرم وذلك؛ لأن الله -تعالى- حدد الرضاع في الحولين: وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ فبعد الحولين لا يكون هناك رضاع ؛ لأن الطفل يتغذى بالأكل غالبا أنه لا يستفيد من الرضاع لقلته فيتغذى بالأكل، فعلى هذا الأصل أنه لا يحرم إلا إذا كان صغيرا هذا هو قول الجمهور.

قد روي عن عائشة أنها تُجَوِّز إرضاع الكبير فكانت إذا أرادت أن يدخل عليها بعض التلاميذ أمرت أختها، أو بنت أختها أن ترضعه حتى تكون خالة له، وأنكر ذلك عليها بقية أمهات المؤمنين، ودليلها قصة سالم مولى أبي حذيفة، وذلك ؛ لأن سالما لما كبر عند أبي حذيفة مولاه قالت امرأته: إن سالما لا نعده إلا ابنا، وإنه قد بلغ مبلغ الرجال، وإني أرى أن أبا حذيفة يكره دخوله، فقال -صلى الله عليه وسلم-: أرضعيه خمس رضعات تحرمين عليه مع أنه كبير رجل، وأمهات المؤمنين يقلن: إن هذا خاص بسهلة امرأة أبي حذيفة أن هذا خاص.

وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنه إذا وجد امرأة مضطرة إلى دخول رجل عليها ضرورة شديدة لا تجد رخصة ولا تجد بُدًّا من ذلك، فإن لها أن ترضعه، أو تأمر أختها بإرضاعه حتى تكون محرما له، فيرى أن هذا للضرورة الضرورة التي كضرورة سهلة امرأة أبي حذيفة.

فأما الجمهور فيقولون: إنه لا يحرم رضاع الكبير ويستدلون بقوله: لا يحرم إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم وإنما الرضاعة من المجاعة أو لا يحرم من الرضاعة إلا ما أنبت اللحم، وكان قبل الفطام هذا هو الصحيح، فيكون قصة سهلة من خصائصها.

وهو خمس رضعات فأكثر، قد اختُلِفَ أيضا في القَدْر الذي تحرم به المرأة فيكون ولدا لها، فعند الإمام أحمد خمس رضعات، وكذا عند الشافعي، أما عند أبي حنيفة فيقول: عشر رضعات، وروي أيضا عن أبي حنيفة قول آخر أنه يحرم رضعتان، وكذلك روي أيضا عن الشافعي أنها تحرم رضعتان، أما عند الإمام مالك فإنه يحرم أقل ما يسمى رضاعا ولو نصف مصة، ويقول: إن الله أطلق الرضاع في قوله: اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ فإذا أرضعته ولو مص مصة، أو نصف مصة، وتحقق أن فيها لبنا دخل في حلقه فإنها تصير أمه، هكذا ذهب مالك ولعلها لم تبلغه الأحاديث.

في حديث سهلة أنه أمرها أن ترضعه خمسا وفي حديث عائشة قالت: كان فيما أنزل من القرآن "عشر رضعات معلومات يحرمن" فنسخن ونزل "خمس رضعات معلومات يحرمن" فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مما يقرأ نقول: هذا لا يوجد في كتاب الله في القرآن، ولكن على الأقل إنه حديث، فإذا كان حديثا فإنه يعمل به، فيقال: خمس رضعات الطفل إذا رضع خمس رضعات؛ وذلك لأن الخمس رضعات يمكن أن ينبت بها لحمه وينشز بها عظمه وتشبعه من الجوع إنما الرضاعة من المجاعة .

واختلفوا في الرضعة فمنهم من يقول: إنها المصة، ويستدلون بقوله-صلى الله عليه وسلم- لا تحرم المصة والمصتان ولا الإملاجة والإملاجتان الإملاجة يعني: الإدخال إدخال الثدي في فمه لا تحرم أخذوا من قوله: الرضعة والرضعتان أن الثلاث تحرم، وأخذوا من قوله: "مصة" يكون أن يمص الثدي، ثم يبتلع، فإذا مص وابتلع ثم مص وابتلع ثم مص وابتلع خمس مصات فإنه يكون ابنا لها.

وأكثرهم على أن الرضعة هي إمساك الثدي ثم امتصاصه إلى أن يتركه سواء تركه من نفسه، أو اجتذبته من فمه، فتعد هذه رضعة، فقد تكون الرضعة مثلا في لحظة، وقد تكون الرضعة في ساعة، يمسك ثديها ويمصه ولا يتركه مدة ساعة، أو نصف ساعة، ونسميها رضعة واحدة، ولو امتص فيها مائة مصة، أو مئات، ومنهم من يقول: الرضعة هي الشبع كونه مثلا يرضع حتى يشبع ويكون كغذاء الكبير كما يقال مثلا: الوجبة التي هي طعام الشبل الكبير حتى يشبع.

ولكن الجمهور على أن الرضعة هي الإمساك ثم الإطلاق، فيصير به الطفل وأولاده أولادا للمرضعة ولصاحب اللبن، أولادا للمرضعة تقول: هذا ولدي من الرضاع، هذا ولد ولدي من الرضاع، هذا ابن بنتي من الرضاع، هذه بنت بنتي من الرضاع، كذلك صاحب اللبن زوجها، زوج المرضعة هو صاحب اللبن فإذن يقول: هذا ابني من الرضاع وبنتي من الرضاع وبنت ابني من الرضاع.

ينتشر التحريم من جهة المرضعة وصاحب اللبن كانتشار النسب، قد تقدم أنه ينتشر، فمثلا أخت الزوج، صاحب اللبن الذي رضعتَ منها تصير عمتك وبنته من غير هذه المرضعة تصير أختك من الأب، أمه تصير جدتك، وأم أمه ونحو ذلك، وكذلك بالنسبة إلى المرضعة.

7

7

7

تــــــــــــــابعـ
رد مع اقتباس