انعكست أحداث المدينة المنوّرة على الشارع في المناطق الشيعية انعكاساً واضحاً، منذ نشوبها عصر الجمعة الماضي عند مقبرة البقيع ، وبلغت ذروتها، ميدانياً، الثلاثاء 24-2-2009 في مظاهرتين اثنتين في بلدة العوامية، الأولى تمت عصراً، من حيّ الجميمة، غرب البلدة، حتى الحيّ المعروف بحي كربلاء.والثانية تمّت بعد العشاء، من حيّ الريف شمالاً، حتى حيّ كربلاء أيضاً.
ووردت أنباء أن المظاهرة الثانية مرّت بطريق يقع عليه مركز الشرطة في العوامية، وعند ذاك أطلق بعض الجنود عيارات نارية في الهواء، وردّ بعض المتظاهرين بالحجارة، ولكنّ الأمر لم يتصعّد، بل سارت المظاهرة سلمياً إلى نقطتها الأخيرة في حيّ كربلاء،عدا ذلك؛ لم تصدر أنباء عن أيّ فعل ميدانيّ حتى اللحظة لكن يلاحظ أن قوات الأمن منتشره بشكل كبير وملحوط في منطقة القطيف وعند مداخل ومخارج المدينة بشكل عام وفي بلدة العوامية بشكل خاص.
ولكنّ انعكاس الأوضاع واضح تماماً لكل من يعيش في المناطق الشيعية، فضلاً عما عبّرت عنه المواقع الإليكترونية الشيعية وما حاولت رصده وإطلاقه من أخبار وتعليقات يضمّ كثير منها شائعات مختلفة ومتضاربة،فضلا عن أن هناك من يحاول في مثل هذه الأجواء أن يخلق فتنة ويضرب بالوحدة الوطنية من خلال اللعب على وتر الطائفية .
هناك حالة من عدم الرضا عند البعض مما فعله من يعتقد الشيعة أنهم من رجال الهيئة ويعتقدون أن ما تم تسجيله وبثه على اليوتيوب دليل يدعم تهمتهم للهيئة ويستشهدون بما تنشره يوميا الصحف المحلية من تجاوزات للهيئة تجاه المواطنين بشكل عام.
وإذا كانت هذه هي حالة البعض من عوام الناس؛ فإن نُخباً ثقافية عبرت عن رأيها، والشيخ حسن الصفار الموصوف بالاعتدال أصدر بياناً قبل أيام في موقعه الإلكتروني مطالباً الجهات المسئولة بمحاسبة أعضاء هيئة الأمر والنهي عن المنكر بسبب تحرشها بالزوار الشيعة.
بيان الصفار حمل النبرة الأعلى له منذ إنهاء معارضته السياسية وعودته إلى البلاد عام 1993. ورغم بيانه، إلى الصفار هناك الدكتور توفيق السيف، رفيق الصفار القديم والكاتب الصحفي المعروف عبر ما يكتبه في الصحف السعودية ، الذي أجاب عن أسئلة لقناة المنار اللبنانية، وطالب بلجنة تحقيق مستقلة،وهناك أيضاً محمد المحفوظ، الكاتب في الصحف السعودية المشغول منذ سنوات بالمقالات النخبوية وبمجردات ثقافية ملامسة للشأن العام نزل إلى مستوى المتلقي العادي وأصدر بياناً عبر فيه عن عدم رضاه وقبوله بما حدث .
ولم يكن هؤلاء الثلاثة بالذات؛ من ممارسي المقاومة أو الممانعة، على حدّ تعبير خصومهم السياسيين في "الممانعة"،وهو إحساس لم يوفـّره المحسوبون على الممانعة، بل إن الأحداث أمّنت خامة جديدة لصالح الأفكار المعارضة التي يدعو لها علي الأحمد وحمزة الحسن والدكتور فؤاد البراهيم.
ومن المؤكد أن هناك تحرّكات في اتجاه التهدئة، وإذا تأكد ما سبق ونشر حول لقاء أمير منطقة المدينة المنورة برجال دين ووجهاء شيعة؛ فإن ذلك يُمثـّل تحركاً إيجابياً صوب تطويق الأزمة ومُحاصرة تداعياتها.
لكنّ علينا أن نعترف بأن الأزمة خلّفت حالة من القلق بين المواطنين بشكل عام ويرى الطرف الأخر أن هناك تجوازات من الزوار تجاه قوات الأمن والمواطنين في المنطقة بشكل عام غير مبررة وأن المخظيء بحقهم إن كان هو كذلك سيأخذ حقه من العقاب والمحاسبة لكن لا يوجد مبرر لإستمرار التجمعات والتظاهرات في أكثر من مكان والتحريض ضد قوات الامن ،
فهذا الشيخ ناصر العمر يصدر بيانا حول ما حدث في المدينة قائلا "ماحدث في البقيع يبشر إلى أن هناك أياد خفية تريد تأجيج الفتنة وتنفيذ أهداف عدائية مبيتة خاصة ي تزامنها مع أحداث أخرى في المنطقة فعلى الجميع وخاصة الشباب ضبط النفس وترك الامور للجهات الامنية للتعامل معها وتولى مسئوليتها لحماية المسلمين وعدم الانجرار إلى المزيد من العنف الذي لن يخذم سوى اعداء الاسلام "
العتبات الشيعية.. المقدسة
يُعبّر الشيعة عن عقائدهم من خلال زيارة ما يُعرف، شيعياً، بـ "العتبات المقدّسة". وإضافة إلى قبر النبي (صلي الله عليه وسلم)؛ فإن هناك قبور أحد عشر إماماً يعتقد الشيعة إمامتهم وعصمتهم. وتؤكد الموروثات الفقهية الشيعية استحباب زيارة هذه القبور إضافة إلى زيارة السيدة فاطمة الزهراء، رغم أن قبرها غير معروف لدى عامة المسلمين.
تتركز العتبات المقدسة لدى الشيعة موزعة جغرافياً حسب التالي:
قبر النبي (صلى الله عليه وسلم)، في المدينة المنورة.
قبر السيدة فاطمة الزهراء في المدينة المنورة (غير محدد).
قبر الإمام علي في مدينة النجف العراقية.
قبر الإمام الحسن في البقيع.
قبر الإمام الحسين في كربلاء العراقية.
قبر الإمام علي بن الحسين في البقيع.
قبر الإمام محمد الباقر بن علي بن الحسين في البقيع.
قبر الإمام جعفر بن محمد الصادق في البقيع.
قبر الإمام موسى بن جعفر "الكاظم" في بغداد بالعراق.
قبر الإمام علي بن موسى "الرضا" في مشهَد بإيران.
قبر الإمام محمد بن علي "الجواد" إلى جانب جده الكاظم ببغداد.
قبر الإمام عليّ بن محمد "الهادي" بسامرّاء، العراق.
قبر ابنه الحسن بن علي "العسكري" بسامرّاء أيضاً.
وهذا يعني أن أربعة من أئمة الشيعة "المعصومين وفق معتقدهم" مدفونون في البقيع بالمدينة المنوّرة، وتتأكد زيارتهم والسلام عليهم.
ويختلف الشيعة الإمامية اختلافاً شديداً في مسألة زيارة القبور والتبرّك بها، مع بعض المذاهب الإسلامية التي يرى بعضها في بعض ذلك شركاً. فلمس الضريح أو القبر أو الاقتراب منه أو تقبيله عملٌ مشروع شيعياً. ولا ينطوي أي منها على أية مقاصد يمكن أن تُمثل عبادة لصاحب القبر أو تأليهاً له، أو اعتباره رزّاقاً أو غافراً ذنوباً أو ما شابه ذلك. صاحب القبر هو واحد من الذين أذهب "الله عنهم الرجز وطهرهم تطهيرا"، في المعتقد الشيعي، وهو من الأحياء الذين "عند ربهم يُرزقون" أيضاً.
ومن المهمّ الإشارة إلى أن زيارة "العتبات المقدسة" عند الشيعة لا ترقى إلى مستوى الواجب، كما هو حال الحج مثلاً، بل هو مُستحبّ مؤكد، ويتدرّج هذا التأكيد تبعاً لصاحب القبر، فزيارة قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) هي أشدّ تأكيداً من زيارة قبر أي قبر آخر. وزيارة قبر الإمام الحسين في كربلاء أكثر تأكيداً من زيارة الإمام الكاظم في بغداد، وهكذا.
هذه النقطة، بالذات، هي النقطة التي تطفو على السطح كلما زار الشيعة أئمة البقيع، وهي مثار تندّر يحرص البعض على رصده وملاحظته والتعليق عليه، وأحياناً يصل الأمر إلى الدخول في جدليات مذهبية تمرّ بسلام، وتنتهي بعد انتهاء الموقف.