" إني قد أُمرتُ أن أستغفر لأهل هذا البقيع!.. "
وَيَمضِي الحَبِيب بأنّاتِه ..
يَبُثّهُم أشْوَاقَه ..
بِأوجَاعِه .. يَقِفُ بَينَ قُبُورِهِم ..
مُستَغفِراً لهم ..
" السلام عليكم يا أهل المقابر، ليَهُن لكم ما أصبحتم فيه بما أصبح الناس فيه"...
وبشرهم قائلاً: "إنّا بكم للاحقون!.."
يا شفيعي !..
أتَمضِي يَا نِبْرَاسًا أضَاءَ فِي عَتْمَة الضّيَاع ؟!..
وَبَكَى الرّسُول صلى الله عليه وسلم.. وَهُو رَاجِعٌ ..!
أيُدرِكُ أحَدكُم لمَ بَكى الحَبِيب ؟!..
سَألَهُ صَحبُه ..
مَا يُبكِيك يَا رَسُول الله ؟!..
فقال: " اشتَقتُ لإخوانِي .." ..
فقالُوا: " أَوَلَسْنَا إخْوَانَك يَا رَسُولَ الله ؟! " ..
قَالَ الحَبِيب : " لا ! أنْتُم أصْحَابِي، أَمَّا إخْوَانِي فَقَوْمٌ يَأتُونَ مِنْ بَعْدِي يُؤمِنُون بِي ولم يَرَونِي .. "
لَحظَاتٌ مِن صَمتٍ تُلفُّنِي ..
تُخَدّرُ أطْرَافِي ..
تَشُلُّهَا عَنِ الحَرَاك !..
وَنَحنُ نُحِبُّكَ يَا رَسُولَ الهُدَى ..
أرْوَاحُنَا فِدَاكَ يَا حَبِيبَ الله ..!
،
،
وَيَشتَدُّ الألَم !..
بِعُنْفُوَانِ الآآه .. يَستَأذِنُ مُحَمّدٌ الزّوج .. الرّسولُ الإنسَان .. زَوْجَاتِه فِي أن يمَرّضَ عِنْدَ السّيدةِ عَائِشة ..!
وَإنّك لَعلَى خُلُقٍ عظِيمٍ يَا سَيّدِي يَا رَسُولَ الله ..
أرَادَ القِيَام فَمَا اسْتطَاع حَبِيبِي عَليه السّلام ..
فَحَملَهُ عَلِيٌّ والفَضلُ بن العَبّاس - رَضِي الله عنهم - وَأتَوْا بِهِ حُجرَة عَائِشَة !..
والمَسْجِد قَد فَاضَ بِصحبِه يَسألُون عَنه !!..
أَرَأيتَ الحبِيب يَئن ؟!.. أَرأيتَهُ وَالتّعبُ يَشُلّه ..
أرَأيتَ مَا عَانَى وَقَاسَى ؟!..
أتَرَاه وَهُو فِي السّتين يُقعِدُه المَرَض !.. خَائِر القِوَى ..
تَتَدفّقُ شَلّالات العرقِ النّدِي مِنه ..!
وَتَمسَحُ عَنْه السّيّدَة عَائشَةُ عَرَقَهُ بِيدِه .. وَهِي تَسمَعُه يقول: ..
" لا إِلَه إلا الله .. إنّ للموت لَسَكَرات .. لا إِلَه إلا الله .. إنّ للموت لَسَكَرات .. " ..
فِداكَ أبِي وَأمّي يَا نَبِيّي .. يَا مُحمّد ..!..
،
آخِرُ الدُّرَر ..
يُصَبُّ علَيهِ سَبعُ قِربٍ مِن المَاءِ لِيفِيق ..!!..
وَيُحْملُ إلَى المِنبَر ..
- " إني فرطكم، وأنا شهيدٌ عليكم، وإني والله لأنظرُ إلى حوضي الآن، وإني قد أعطيتُ مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها "
- " الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم "
- " اتقوا الله في النساء"، "أوصيكم بالنساء خيراً "
- " أيها الناس إن عبداً من عباد الله قد خيّره الله بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله "
فَعَلَى صَوتُ أبي بكر رضي الله عنه بِالنّحِيب .. إذ فهم ما أراده الحبيب .... وَقَامَ تَخْنُقُ عَبَراَتُه عِبَارَاتِه ..
" بأبي وأمي! نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا وأموالنا "
والناس تَنظرُ إليه شَذَرًا .. أنّى لَه أن يُقاطِع الرّسولَ بِخُطبَتِه ..
فنادى فيهم المُصطَفى .. مُدَافِعًا عن صاحبه ورفيقه في الغار ..
"إنّ مَن آمن الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلا غير ربي لاتخذتُ أبا بكر خليلا، ولكن أخوّة الإسلام ومودته، لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر "
أتدرِي ما آخر رسالةٍ له ؟!.. أتدري لمن أرسلها ؟!..
قال عليه الصلاة والسلام مُخاطباً أهل بيته: " وأقرؤوا أنفسكم مني السلام، ومن غاب من إخواني فأقرؤوه مني السلام، ومن دخل معكم في دينكم بعدي فإني أُشهدكم أني أقرأ السلام [أحسبه قال] عليه وعلى كل من تابعني على ديني من يومي هذا إلى يوم القيامة "
ألا فَصلّى الله عليك يا رسولنا المُكرَّم .. ألا فصلواتي وسلامي لك يا خيرَ مَن مشى على قَدمِ ..
،
بكَتْ فَاطِمة ..
فما عادَ أبُوهَا يَقوى على القيام لتَقْبِيلهَا ..!
بِعُمقِ الأبُوَّة .. " أُدني مِنّي يا فَاطِمَة ..