عيسى الحربي- سبق- الرياض: جلس أحد الآباء بجانب زوجته، وأمسك بآلة حاسبة في يساره، وقلماً أحمر في يمينه، يضرب أخماساً في أسداس، وأمامه دفتر أبيض، اعتاد أن يستعين به في مطلع كل شهر هجري، لتوزيع راتبه على احتياجات أفراد الأسرة. وكشر الأب عن أنيابه للحظات، وقطب حاجبيه، عندما نبهته زوجته إلى ضرورة تخصيص 1250 ريالاً لبند الدروس الخصوصية، التي تعود أبناؤه الثلاثة على اللجوء إليها كمراجعة نهائية قبيل اختبارات منتصف العام الدراسي؛ فاضطر أن يعيد حساباته، ويوزع مخصصات راتبه من جديد؛ لعل وعسى يصل إلى حسبة خالية من العجز.. لكنه فشل.

ويشكو الأب من "مافيا الدروس الخصوصية"، متهماً المعلمين والمعلمات بأنهم يتعمدون مشاركة أولياء الأمور دخولهم المتواضعة، مستغلين موسم الاختبارات، ويقول: "المعلمون يستثمرون خوف الطلاب من الاختبارات، كما يستثمرون قلق أولياء الأمور على أبنائهم، فيعلنون دروساً خاصة، بأسعار مبالغ فيها، لمراجعة المناهج قبيل الاختبار، ويفتحون أبواب منازلهم لاستقبال الطلاب والطالبات في مجموعات تقوية لمراجعة المناهج، والتركيز على الموضوعات المهمة".

ويضيف: "لدي ثلاثة أبناء في المرحلتين المتوسطة والثانوية، وأدفع بين 50 و100 ريال عن كل حصة، يتراوح زمنها بين ساعة وساعتين. وعلمت من أبنائي أن المعلم الواحد يجمع قرابة 15 طالباً في وقت واحد داخل منزله، وليسوا بالضرورة جميعاً في سنة دراسية واحدة، ويتعمد شرح المنهج بطريقة توهم الطلاب بأن لديه خبرة توقع أسئلة الاختبار، وهذه الطريقة تجذب له مزيداً من الطلبة، وتزيد أرباحه التي تصل إلى 1500 ريال كل ساعتين فقط".

وتساءل: "لماذا لا يشرح المعلمون في الفصل الدراسي بالطريقة نفسها التي يشرحون بها في الدرس الخصوصي؟ ولماذا يبالغون في أسعارهم بهذه الصورة؟ علماً بأن بعضهم، وأخص مدرسي الرياضيات والعلوم، يحصلون على 400 ريال عن الحصة الواحدة إذا كان الدرس الخصوصي لطالب أو اثنين فقط".

ويتابع: "راتبي قليل للغاية، ولا يحتمل بند الدروس الخصوصية، فما أتقاضاه في شهر قد يتقاضاه المعلم في يوم، فأنا أعمل في القطاع العام براتب 6500 ريال، وبالكاد يكفيني وأسرتي الأشياء الضرورية، لكن بدون بند الدروس، التي لا أقدر على أن أرفضها، خاصة أنها تمنح الثقة للأبناء قبل دخول الاختبارات، لكن لا تخلو من استغلال واضح للأسر السعودية والمقيمة على السواء، في سلب ما في جيوبهم بحجة أنها المفتاح السري لتحقيق النجاح والتفوُّق".

100 ريال
ويرى أحد الآباء أن الدروس الخصوصية لا تخلو من فساد في الذمم والضمائر، ويقول: "بعض المعلمين يتعمدون ألا يشرحوا بطريقة جيدة في الفصل الدراسي، وتجدهم على النقيض في الدرس الخصوصي، وهذا قمة الفساد في الضمائر. وللأسف الشديد، أولياء الأمور وحدهم هم الذين يتحملون ثمن هذا الفساد من قوت أبنائهم". وأضاف "ابنتي تأخذ درساً في منهج الرياضيات، وتجلس في الدرس مع 10 طالبات أخريات، تدفع كل واحدة منهن 100 ريال في الحصة، والمعلمة لا يهمها من تستوعب ومن لا تستوعب؛ فكل ما يهمها الحصول على المبلغ في نهاية الحصة المحددة الزمن بالدقيقة والثانية".

المادة العلمية
ويحذّر المعلم محمد الهادي من معلمين لا يملكون أي خبرة في شرح المناهج، ويقول: "إعلانات المعلمين نجدها في كل مكان، وقد نجدها داخل البيوت نفسها، أو ملصقة على الأبواب. وللأسف، بعضهم من فئة الأجانب، الذين لا يمانعون من فعل أي شيء مقابل الحصول على الأموال. وأكبر دليل على ذلك أن مدرس اللغة العربية لا يمانع من شرح اللغة الانجليزية أو الرياضيات أو العلوم، والعكس صحيح".

ويتابع: "هناك معلمون ضعاف في المادة العلمية، لكنهم ماهرون في إضاعة وقت الحصة، وإيهام الطلبة بأنهم يدركون جيداً أساليب وضع الاختبارات، والتركيز على موضوعات بعينها، ومن ثم حصد الأموال في نهاية الحصة".

واختتم بالقول: "أولياء الأمور يدفعون أموالاً طائلة في هذه الدروس، وهناك أسر قد تدفع آلاف الريالات في أيام الاختبارات، من أجل مراجعة المناهج لأبنائهم، موقنين بأهمية الراحة النفسية للطالب إذا التحق بدرس خصوصي قبل الدخول في الاختبار".


أكثر...