ياسر العتيبي- سبق- الرياض: روى شقيق الشاب السعودي الذي تغيب عن منزل ذويه منذ أكثر من 20 يوماً بالعاصمة الرياض ويعاني مرضاً نفسياً، وتسبب غيابه في تعرض والدته لارتفاع في ضغط الدم وإصابتها بجلطة دماغية، أدت لشلل في الجانب الأيسر من جسدها، تفاصيل رحلة البحث عنه والعثور عليه، وماذا قال له أمير منطقة الرياض عندما التقاه بمكتبه، والاتصالات التي انهالت عليه بعد نشر الخبر في صحيفة "سبق" قبل عدة أيام، ورصد العديد من التباينات في تعامل بعض الجهات الأمنية، وقصور بعض الجهات الصحية.

وقال إبراهيم عبده خرمي لـ "سبق": بينما كنت متجهاً من حفر الباطن إلى العاصمة انهالت علي الاتصالات بعد نشر الخبر، فشخص يقول رأيته قبل أيام في مكان، وآخر يدعو له بالسلامة، فقررت أن أتوجه إلى إمارة منطقة الرياض، لطلب أمير المنطقة بالتوجيه بتكثيف البحث عن أخي، فكتبت معروضي ودخلت مجلس الأمير، وكان معروضي مع مجموعة معاريض لبعض المواطنين فصافحت الأمير وجلست، وكان الأمير يقرأ معاريض المواطنين، بعضها يشرح عليها وبعضها ينادي باسم صاحبها حتى يسأله عن بعض النقاط.

وأضاف: عندما وصل إلى معروضي نودي باسمي فتوجهت إليه وألقيت التحية عليه وجلست فبدأت أشرح موضوعي لسموه، وسألني من كم يوم متغيب أخوك، ومتى بلغت الشرطة، وسألني عن صحة والدتي، فشرح على معروضي بتكثيف البحث والإفادة خلال 24 ساعة، وأعطى معروضي لموظف، حتى يبلغه الإدارة لتنفيذ ما شرحه سموه على المعروض، فعندما هممت بالذهاب مع الموظف نادى الأمير علي، وقال لي: "إذا وجدت أخاك بلغني" فقلت له أبشر أطال الله في عمرك، فوالله إن هذه الكلمة تركت في نفسي الشيء الكثير، وذلك لاهتمام سموه بالجانب الإنساني رغم مشاغله في الأمور الأخرى، فذهبت مع الموظف، ووصلنا إلى موظف آخر فأعطاه معروضي وقال لي ستصلك رسالة، بعدها راجع المكتب، فخرجت من إمارة الرياض متجهاً إلى البطحاء، واتصل بي بعض فاعلي الخير الذين اطلعوا على الإعلان في صحيفة "سبق"، وقالوا لي إنهم قد رأوه هناك فبدأت البحث سيراً على الأقدام أحمل صورة أخي في جهاز الجوال، فهذا يقول لي لم أره والآخر يقول لي إن وجهه مألوف لدي، فربما رأيته قبل أيام، وأشار أحدهم علي أن أذهب إلى شارع هناك يسمى "الدواعيس"، فهناك الكثير من المرضى النفسيين يتجمعون فيه، فذهبت فوجدت شباباً في مقتبل العمر في العقد الثالث من العمر ملابسهم رثة، ومنهم من ينام في الخرابات ومنهم من ينام على الأرصفة، فبدأت أسألهم إن كانوا رأوا أخي أم لا، فلم أجد أي إجابة منهم.

وتابع: دخلت مكاناً يكاد يكون مهجوراً، فإذا برجل يمني الجنسية يناديني، وأتى إلي وقال لي أين تريد الذهاب؟ فقلت له أخي مريض غائب عن البيت منذ زمن وأنا أبحث عنه، فقال لي لو دخلت هذه الخرابة، فربما تُقتل من الذين يقطنونها، لكن أعطني الصورة أنا سأبحث لك عنه، فأعطيته الصورة فدخل إلى تلك الخرابة فلم يجده، وقال لي: هذه الأماكن يقطنها مدمنو المخدرات بأنواعها ومرضى النفسية، وأنت رجل ملتح، فربما يحدث لك مكروه!

وأردف: أكملت رحلة البحث عن أخي فوجدت بعض عاملي المحلات يقولون لي إنهم قد رأوه منذ يومين فسعدت لهذا الخبر وتجددت بي الآمال في لقيا أخي، ومرت الساعات وأنا من شارع لآخر، ومن داعوس إلى داعوس كما يسمى هناك، بما معناه الأزقة الضيقة التي بين الشوارع والحارات في البطحاء، ووجدت في بعض الدواعيس مناظر تحزن القلب، فهناك شباب صغار السن ينامون بين السيارات وعلى الأرصفة، وأنا كلي ثقه بأن ذويهم يبحثون عنهم مثل حالتي، ووجدت بعض الأجانب الذين أبدوا تعاطفهم معي، وأخذوا رابط الإعلان في صحيفة "سبق" وبعض الصور لأخي حتى يبحثوا معي، فتيقنت من الجانب الإنساني في هؤلاء الأجانب، رغم ما رأيت من صمتهم عما يجري في بعض المواقع أو ما يسمى بالدواعيس من تجمع لأصحاب المخدرات ومرضى النفسية وغيرهم.

وزاد: خرجت من البطحاء متجهاً إلى مستشفى الإيمان بجنوب الرياض، وذهبت إلى مدير شؤون المرضى وقلت له عن موضوعي فأبدى اهتمامه، وبحث في السجلات عن مجهولي الهوية في فترة غياب أخي، فوجد ثلاثة أشخاص، فأخذ صورة أخي حتى يتأكد، فلم يجد أخي معهم، فذهبت إلى قسم الوفيات وسألت الموظف عن متوفين مجهولين الهوية، فقال لي خلال فترة غياب أخي لا يوجد.

وواصل: اتجهت إلى قسم الوفيات بمستشفى الشميسي، وقال لي الموظف إن هناك متوفيين اثنين في الثلاجة مجهولي الهوية، ادخل إذا أردت أن تراهم، حتى تتأكد منهم فدخلت ثلاجة الأموات، لأجد رجلاً في العقد الخامس من العمر يكسو رأسه الشيب والثاني رجل في العقد الثالث من العمر ما زال مغطى بدمائه! فسألت نفسي لماذا لم يغسل ويدخل في الثلاجة؟ أليس للميت حرمة، فأين الجانب الإنساني في هذا المستشفى؟ فوالله إنه لا يجوز ذلك والدولة قد وظفت من يهتم بذلك، ثم خرجت من القسم وأنا قلبي يتقطع من الحسرة إلى قسم شؤون المرضى بنفس المستشفى، وبحثنا عن السجلات فوجدت ثلاث نساء وطفلاً مجهولي الهوية، منومين في قسم العناية المركزة، بعد ذلك اتجهت إلى مستشفى الملك سلمان بالدخل المحدود، فشرحت لموظف الاستقبال عن ظرفي فأبدى اهتمامه وبحثنا في السجلات فتبين أنه يوجد شاب قريب من عمر أخي يرقد في العناية المركزة مجهول الهوية منذ ما يقارب أسبوعين، فذهبت حتى أتبين أنه أخي أم لا؟ فوجدت شاباً في العقد الثالث من العمر حالته يعلم بها الله، اسأل الله العلي القدير أن يشفيه، والذي نفسي بيده دمعت عيناي عليه، فأين أهله؟ وهل الخلل من الأجهزة الأمنية أم إهمال من أهله؟

وزاد: ذهبت بعدها إلى مستشفى الإمام بحي الفوازن بالرياض، فلم أجد أي نتيجة منهم، واتجهت بعدها لأحد أقسام الشرطة ومع الأسف لم يبدوا اهتمامهم للأمر، لأغادرهم إلى قسم شرطة الديرة، فوجدت رجل أمن أبدى اهتمامه وجعلني أجلس وقدم لي الماء وكذلك الشاي، ونادى أحد منسوبي الشرطة، وأعطاه صورة أخي ليتأكد من وجوده في التوقيف، وبينما الموظف ذهب ليتأكد، أخرج السجل وسألني عن تاريخ تغيب أخي، وبحث فلم يجد أي شيء، فقال لي أرسل لي صور أخيك ورابط الإعلان بـ "سبق" حتى يتسنى لي أن أنشره في بعض القروبات، فقد يكون هناك من يجده، فأرسلت له ذلك، وخرجت من عنده وأنا أدعو له، فشتان ما بين تعامل الأول وتعامل هذا الرجل، فهناك من يعاملك بالجانب الإنساني وهناك من لا يرغب في التعاون.

واستطرد: نظرت إلى الساعة فإذا بها الثانية ليلاً، ولا بد أن أعود إلى المنزل لكي أرتاح قليلاً، وفي الغد أكمل رحلة البحث عن أخي، وعندما دخلت البيت إذا بوالدتي تسألني: "بشرني لقيت أخوك" فقلت لها لا، فدمعت عيناها، فقلت إن هناك من رآه وهو بخير، وحدثتها عن أملي أن أجده إن شاء الله، وعن الجانب الإنساني في البشر، وهناك تعاون من عموم الناس وأن الدنيا ما زالت بخير، فحاولت أن أنام فلم أستطع النوم، فتارة أتذكر بكاء والدتي وتاره أتذكر الأموات الذين رأيتهم في ثلاجات الموتى.

وأضاف: قبيل شروق الشمس اتجهت إلى البطحاء فذهبت إلى الدواعيس، متذكراً كلام اليمني الذي منعني من الدخول لها، وعند وصولي رأيت بعض الشباب، عندما رأوني متجهاً نحوهم هموا بالهروب فقلت لهم بصوت مرتفع، والله إنني أتيت إلى هنا لكي أبحث عن أخي، فرجع أحدهم فبدأوا بالقدوم إلي، حيث قال لي اثنان منهم، سنبحث معك فنحن نعرف البطحاء أكثر من الغير، ومرت خمس ساعات ونحن نبحث ولكن دون جدوى، فقالا لي أعطنا صورته ونحن سنبحث عنه فأعطيت لهم صورته وأعطيتهم بعض النقود من باب التحفيز، وقلت لهم إنني سأعطيهم البشارة إذا وجدوا أخي، وعند الساعة الواحدة ظهراً إذا باتصال أحد الذين بحثا معي في الصباح، يقول لي وجدنا أخاك، فذهبت مسرعاً إلى البطحاء بالقرب من مركز جمال التجاري، فوجدت أخي في حال يرثى له، متسخ الملابس حافي القدمين، فأخدته إلى السيارة، وشكرت الشابين اللذين وجداه وأعطيتهم البشارة.

وزاد: سألته أين كان ينام وأين كان أيام العاصفة الرملية التي شهدتها المنطقة، فقال لي أنام في القبو بالبطحاء! وكان مضطرباً في تصرفاته نتيجة عدم تناول علاجه، واتصلت بوالدتي وأبلغتها أنني وجدت سلطان، فلم تتمالك نفسها من البكاء، وحمدت الله عز وجل وكانت المشاعر لا توصف.

واختتم المواطن خرمي حديثه: أشكر كل من تواصل معي للبحث عن أخي، وأشكر صحيفة "سبق" السباقة للخير، التي كان لها الفضل بعد الله عز وجل في العثور على أخي.


أكثر...